لأن العبودية الخاصة أخص الأوصاف ولذلك ذكرت في أعلى المواقف جاء في الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وجاء في مقام الدعوة {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن: 19] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ} إذًا بالدعوة يدعوكم، وكذلك جاء في هذا المقام وهو مقام التنزيل والإنزال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}.
{تَبَارَكَ} عرفنا أن المراد به تعاظم وتعالى، وذكر الطبري رحمه الله قال: {تَبَارَكَ} تفاعل اختلف في معناه فقال الفراء: هو في العربية وتقدس واحد وهو للعظمة. يعني: {تَبَارَكَ} بمعنى تقدس والمراد بهما العظمة. وقال الزَّجَاج: {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير، وقيل: {تَبَارَكَ} تعالى، وقيل تعالى عطاؤه أي: زاد وكثر، وقيل: دام وثبت إنعامه. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق. يعني: دام وثبت إنعامه، ولذلك ذكر ابن كثير - كما ذكرناه سابقًا - {تَبَارَكَ} أي من البركة، تفاعل من البركة الدائمة المستقرة الثابتة إشارة إلى قول النحاس هناك. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق لأنه مأخوذ من برك الشيء إذا ثبت. ومنه سميت البركة بركة لماذا؟
لأن الماء يكون كثيرًا مستقرًا بخلاف الماء الجاري وهذا الفرق بينهما الماء الجاري ليس كالبِركة بكسر الباء بِرْكة كلمة صحيحة فعلاً لماذا؟
لاستقرار الماء وكثرته يكون الماء مستقرًا وثابتًا. هنا مأخوذ من بَرَكَ الشيء إذا ثبت ومنه برك الجمل والطير على الماء أي دام وثبت، إذًا نقول: البركة دوام الخير وكثرته. وعليه لا خير أكثر وأدوم من خيره سبحانه وتعالى. ولذلك لهذا السبب لا خير أكثر وأدوم من خيره جل وعلا لا يجوز إطلاقه على غير الباري جل وعلا، لا يقال في حق أحد من الخلق تبارك ولا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه يدل على المبالغة والكَثرة في ماذا؟
في حصول البركة وما عداه يجوز لكن يقال مبارك أو فيه بركة {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31] إذًا أُطْلِقَ لفظ مبارك، وكذلك يطلق على الشيب44.55 بأن فيه بركة أليس كذلك؟ «إن من الشجر شجرة بركتها كبركة المسلم» إذًا أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن للمسلم بركة حينئذ يقال: فيه بركة. ويقال: مبارَك ومبارِك. أما تَبَارَكَ على صيغة تفاعل الدالة على المبالغة وعلى وصول الشيء إلى منتهاه وغايته نقول: هذا لا يجوز في غير الرب جل وعلا. ولذلك قال بعضهم: لا يصح أن يجيء منه مضارعٌ ولا أمر تَبارَكَ هل له أمر؟ ليس له أمر، هل له مضارع؟ ليس له مضارع.
(تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ). (تَبارَكَ المُنْزِلُ) إذًا عرفنا أن تَبارَكَ مراد به تعاظم وتعالى جل وعلا والتعاظم هنا لكثرة الخير ودوامه وذلك يكون في ذاته وصفاته وأفعاله على أَتَمِّ وجهٍ وأبلغه كما يُشعر بذلك اشتقاقه على صيغة تفاعل المسند إليه جل وعلا.