لأن القرآن أفصح وأبلغ وما طرق إليه الناظم أو غيره من الوعَّاظ والكتاب والأدباء حينئذ لا بد وأن يكون أنزل لأنه لا يمكن أن يساوي قول المصنف هنا (تَبارَكَ المُنْزِلُ) قول الله جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} قال: {عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] أتى بوصف العبودية هنا قال: (على النَّبِيِّ). ووصف العبودية أبلغ في هذا المقام من وصف النبوة، فلذلك نقول: قد يتغير تمام المعنى ويبقى أصل المعنى على أصله وهو من حيث الحكم الشرعي هذا فيه نزاع هل يجوز الاقتباس أو لا؟
جماهير أهل العلم على الجواز لكن بشرط عدم التغيير الكثير وبشرط استعماله فيما يليق من المعاني.
إذًا نقول: الجماهير على جواز الاقتباس بشرط عدم التغيير الكثير لأنه أخرجه لو غيره تغيرًا لفظيًّا كثير حينئذ أخرجه على أصله فانتفى الاقتباس، لا لأنه لا يجوز شرعًا وإنما ينتفي الاقتباس فصار كلامًا عاديًّا، وبشرط استعماله فيما يليق من المعاني وحجتهم حديث: «الله أكبر خَرِبَتْ خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين». هذا اقتباس من القرآن أو لا؟
اقتباس من القرآن، وأما الإمام مالك رحمه الله تعالى فمنعه
قلت وأما حكمه في الشرع ... فمالك مشدد في المنع
قلت وأما حكمه في الشرع - هذا السيوطي في عقود الجمان –
قلت وأما حكمه في الشرع ... فمالك مشدد في المنع
ولكن الجماهير على الأول ولذلك ذكر بعضهم أن الاقتباس ثلاث أقسام: مقبول، ومباح، ومردود. والقبول والإباحة هنا المراد بها ماذا؟
القبول من حيث الذوق البياني والبلاغي وإلا الإباحة حكم شرعي والرد قد يكون ردًا من جهة عدم الذوق البياني وقد يكون من جهة حكم الشرعي والمراد هنا الحكم الشرعي.
فالأول: وهو المقبول ما كان في الخطب والمواعظ.
والثاني: المباح ما كان في الرسائل والقصص.
والثالث: الذي هو المردود على قسمين:
الأول: ما نسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه. قال السيوطي رحمه الله تعالى: ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه. ما نسبه الله إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما حُكِيَ عن أحد بني المروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله فكتب فيها: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26]. هذا لا يجوز، هذا مردود اقتباس باطل لماذا؟
لأن هذا المعنى وهذا اللفظ من اختصاص الرب جل وعلا. يقول لك: لا ينفع أن يقتبس {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30]، لا نقول: هذا اقتباس باطل لأنه مما يختص به الرب جل وعلا.
الثاني: تضمين آية في معنى هَزَل. يهزل ويسخر فيأتي بآية كما يقوله بعض العامة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] نقول: هذا باطل هذا لا يجوز لماذا؟ لكونه ضمن آية في معنى هزل كأنه يقول لك: يعني أنتم لكم إسلام ونحن لنا إسلام خاص يكون هذا التضمين أو الاقتباس هذا باطل.
إذًا قول المصنف هنا رحمه الله:
(تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ ** على النَّبِيِّ) هذا توفر فيه شرطا الاقتباس وهو عدم التغير الكثير واستعماله فيما يليق من المعاني لماذا؟