وليُعْلم بأن إخراج أعمال القلوب من مسمى الإيمان قول شنيع (?) ، لما يلزم عنه من اللوازم الفاسدة المخالفة لما علم من الدين بالضرورة. فإنه يلزم عنه مثلا أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين كاملي الإيمان، لأنهم عرفوا صدق موسى وهارون عليهما السلام، ولم يتبعوهما ولا انقادوا للشرع الذي جاءا به، ولهذا قال موسى لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاء إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} ، وقال تعالى عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} . وكذلك فإن أهل الكتاب كانوا يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يعرفون أبناءهم، وهم مع ذلك كافرون به معادون له. وأبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:

ولقد علمتُ بأن دين محمد ... ... من خير أديان البرية دينا

لولا الملامةُ أو حِذارُ مسبة ... ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا

ويلزم عن هذا القول أيضا أن إبليس مؤمن كامل الإيمان، فإنه لم يجهل ربه، بل هو عارف به، كما جاء في القرآن الكريم: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} ، {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .

فهذه اللوازم المستبشعة تبين لكل مُنصف أن قَصْر الجزءِ القلبي من الإيمان على التصديق المجرد عن الانقياد مصادِمٌ أشدَّ المصادمة لنصوص الشرع ومقاصد الرسالة.

وإذا علم بأن أعمال القلوب داخلة في مسمى الإيمان، فإن هذا يستلزم أن تكون أعمال الجوارح كذلك. وبيان هذا الاستلزام من وجهين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015