فنحتاج إذن إلى تقديرِ خبرِها لأنه غيرُ مذكور في هذه الكلمة. وقد قدره البعض: "موجود" أو "كائن" وهو خطأ محض، لأن الكتاب والسنة ومشاهدة الواقع تمنع أن ينصَبَّ النفيُ على وجود المعبودات غير الله سبحانه وتعالى. فهذه المعبودات موجودة، كما قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} ، وغيرها من الآيات. وإنما النفي في كلمة الإخلاص مُنصبٌّ على استحقاق المعبودات غير الله تعالى أن تقصد بالعبادة. فوجب تقدير الخبر: "حق". ويكون معنى كلمة "لا إله إلا الله" هو "لا معبودَ حقٌّ إلا الله"، أي: أن الله هو المعبود الحق وأن ما سواه من المعبودات باطل.
الوجه الثالث: دلالة النفي والإثبات:
اتفق البلاغيون على أن "النفي والاستثناء" في مثلِ "لا عالمَ إلا زيد" أو "ما قام إلا عمرو" يفيد معنى الحصر (?) ، أي: حصر العلم في زيد في المثال الأول، وحصر القيام في عمرو في المثال الثاني. وهذه الصيغة تدل – عند جماهير الأصوليين – بالمنطوق على نفي العلم عن غير زيد والقيام عن غير عمرو، وبالمفهوم على إثبات العلم لزيد والقيام لعمرو. وفي هذا نقاش عند الأصوليين (?) . فيكون معنى كلمة "لا إله إلا الله" هو حصر استحقاق العبادة في الله عز وجل. فلا يكون المرء مُوحِّدا إلا عندما يفرد الله جل ثناؤه بالعبادة حبا وتذللا وتعظيما.
والكلام في هذا الموضوع طويل الذيل وعظيم النفع، فلينظر في مظانه من كتب التوحيد (?) . والله أعلم.