ونتيجة هذين المذهبين الذهاب إلى التعميم، لكنه يختلف في إطلاق التعميم، فالقول بالعموم اللفظي أشمل من القول بالقياس؛ لأنه يُدخل جميع صور التقوى في معنى الآية، أما العموم من جهة القياس، فلا يدخل إلا الصورة التي نزلت لها الآية، وهي النفقة.
قال ابن كثير (ت:774) ـ معلقًا على القول بنُزولها في أبي بكر ـ: «ولا شك أنه داخل فيها، وأنه أولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى *الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى *وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 17 ـ 19]، ولكنه مقدم الأمة وسابق في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صِدِّيقًا تقيًا كريمًا جوادًا بذَّالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم، ولم يكن لأحد من الناس عنده مِنَّةٌ يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود ـ وهو سيد ثقيف ـ يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ـ وكان الصِّدِّيق قد أغلظ له في المقالة ـ، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف بمن عداهم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى *وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 19 ـ 21] ...» (?).
قال شيخ الإسلام: «ومعرفة سبب النُّزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب، ولهذا كان أصح قولي الفقهاء أنه إذا