في كل وقت، وإن «إسرافيل» الذي ينفخ في الصور هو العالِم الذي ينفخ بعلمه في القلوب حتى تحيا، و «جبريل» هو العقل الفعال الذي تفيض عنه الموجودات، و «القلم» هو العقل الأول الذي تزعم الفلاسفة أنه المبدع الأول، وأن الكواكب والقمر والشمس التي رآها إبراهيم هي النفس والعقل وواجب الوجود، وأن الأنهار الأربعة التي رآها النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة المعراج هي العناصر الأربعة، وأن الأنبياء التي رآها في السماء هي الكواكب. فآدم هو القمر، ويوسف هو الزهرة، وإدريس هو الشمس، وأمثال هذه الأمور.
وقد دخل في كثير من أقوال هؤلاء كثير من المتكلمين والمتصوفين؛ لكن أولئك القرامطة ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، وعامة الصوفية والمتكلمين ليسوا رافضة يفسقون الصحابة ولا يكفرونهم؛ لكن فيهم من هو كالزيدية الذين يفضلون عليًا على أبي بكر، وفيهم من يفضل عليًا في العلم الباطن كطريقة الحربي وأمثاله، ويدَّعون أن عليًا كان أعلم بالباطن، وأن هذا العلم أفضل من جهته، وأبو بكر كان أعلم بالظاهر. وهؤلاء عكس محققي الصوفية وأئمتهم، فإنهم متفقون على أن أعلم الخلق بالعلم الباطن هو أبو بكر الصديق، وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أبا بكر أعلم الأمة بالباطن والظاهر، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد.
وهؤلاء الباطنية قد يفسرون: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] أنه علي، ويفسرون قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] بأنهما أبو بكر وعمر، وقوله: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] أنهم طلحة والزبير، والشجرة الملعونة في القرآن بأنها بنو أمية.
وأما باطنية الصوفية فيقولون في قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} [طه: 24، النازعات: 17] إنه القلب، و {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] إنها النفس، ويقول أولئك: هي عائشة، ويفسرون هم والفلاسفة تكليم موسى بما يفيض عليه من العقل الفعال أو غيره، ويجعلون (خلع النعلين) ترك الدنيا