ومما يحسن التنبه له في هذا المقام أمور:
1 - أنَّ الانحراف كان قديمًا، لكن بعضه لم تظهر له آثارٌ كتابية؛ كعقيدة الخوارج وعقيدة أوائل الرافضة.
2 - أنَّ هذه المعتقدات قد دخلها التَّطوُّر، فالخوارج في أول أمرهم ليسوا هم الخوارج بعد استقرار مذهبهم بأَخَرَةٍ، والرافضة الأوَّلون ليسوا كالرافضة المتأخرين، وكلتا هاتين الطائفتين قد تبنَّوا عقيدة المعتزلة، وأخذوا منها بنصيب وافر.
3 - أنَّ بعض هذه الفرق قد تتفق في نهايات مسائل الاعتقاد، لكنها وصلت إليها بطرائق عقدية مختلفة، وهذا يعني أن اتفاقهم في النهايات لا يلزم منه اتفاقهم في البدايات وفي الاستدلالات.
4 - أن انتساب أحد المفسرين لإحدى الفرق لا يلزم منه أن يكون ممن يقول بجميع أقوالها، فقد يخالف فيما هو مشهور من مقولات أصحابه.
5 - أن بعض المسائل التفصيلية في الاعتقاد مما قد يقع فيه الخلاف بين أصحاب الفرقة الواحدة، فيحسن معرفة ذلك، لكي يُنسب القول إلى قائله.
وهذا يعني أن الانطلاق في تقرير المسائل العقدية في محيط الفرقة الواحدة لا يلزم منه الوصول إلى نتائج واحدة متفق عليها، وهذه هي طبيعة البحث العقلي المجرد عن الوحي.
وأخيرًا، فإنه يحسن بمن يريد أن يقرأ التفسير من كتبه المتعددة أن يكون عارفًا بالقول الصواب الذي عليه السلف، مُلِمًّا بأقوال هذه الفرق لكيلا يقع في أقوالهم وهو لا يشعر بذلك.