وهذا الأثر يدلُّ على أنَّه لما خفي على عروة بن الزبير (ت:94) سبب نزول الآية وحملها على المتبادر له من ظاهرها، ظهر له أنَّ من لم يسع بين الصفا والمروة فلا إثم عليه ولا حرج، لكن لما بيَّنت له خالته الصِّدِّيقة عائشة رضي الله عنها (ت:58) سبب نزول الآية زال هذا الاحتمال المذكور.
فإذا كان خفاءُ بعض أسباب النُّزول على بعض أعلام هذا الجيل قد أورث الخطأ في فهم بعض الآيات الواردات على سبب، فما بالك بمن جاء بعدهم ممن يجهل آثارهم فيفسر القرآن بما يعرف من اللغة، أو برأي مجردٍ عن المصادر الموثوقة.
تحتمل هذه الصيغة من حكاية سبب النُّزول أحد أمرين:
الأول: أن تدلَّ على سبب النُّزول المباشر.
الثاني: أن يراد بها الاستدلال على الحكم بالآية، وأن هذا الحكم مما يدخل في معناها.
ولا يمكن أن يُعلم المراد بأحدهما إلا بالقرائن.
ومن أمثلة دلالة صيغة (نزلت في) على النُّزول المباشر:
1 - عن أبي ذر رضي الله عنه (ت:32) قال: «نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] في ستة من قريش: علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة» (?).
وفي روايةٍ عن قيس بن عُباد (ت: بعد 80)، قال: «سمعت أبا ذر يُقسم قَسَمًا إن هذه الآية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نزلت في