هذا مثل ما جاء في الأسماء الحسنى كما مثّل لك، فإن اسم الله العليم والمؤمن والقدوس والسّلام هذه بدلالة الذات، فإن العليم هو الله، والقدوس هو الله، والسلام هو الله، والرحيم هو الله، والملك هو الله، من جهة دلالتها على الذات واحدة، ومن جهة دلالتها على الصفة مختلفة، فإن اسم الله القدوس ليس مساويا في المعنى -من جهة الصفة- لاسم الله الرحيم، اسم الله العزيز ليس مساويا من جهة المعنى -يعني الصفة التي اشتمل عليها الاسم- لاسم الله القوي، ونحو ذلك، هذه تسمى متكافئة؛ يعني من حيث دلالتها على المسمى واحدة؛ لكن من حيث دلالتها على الوصف الذي في المسمى مختلفة؛ لأن المسمى الذات ذات أي شيء والمسمى هذا يختلف، فيه صفات متعددة؛ إذا نظرت له من جهة يوصف بكذا، من جهة أخرى يوصف بكذا، وهو ذات واحدة.
مثّل لهذا بالذكر {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124] ، الذكر ما هو؟ هل هو القرآن؟ هل هو السنة؟ هل هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هل هو ذكر الله؛ يعني التسبيح والتحميد؟ هذه كلها متلازمة؛ يعني من حيث ظاهرها مختلفة، أناس فسّروها بالقرآن، أناس فسروها بالسنة، أناس فسروها بكذا؛ لكن من حيث الدّلالة فإنها متلازمة؛ يعني من أعرض عن القرآن أعرض عن السنة، أعرض عن الإسلام، أعرض عن اتباع الرسول. من أعرض عن السنة أعرض عن القرآن أعرض عن الإسلام، إلى آخره.
فإذن الاختلاف هنا باعتبار المعنى، باعتبار ما اشتمل عليه المسمى من أوصاف.
فإذن هذا لا يسمى اختلافا بين مفسري السلف؛ بل هو اتفاق؛ لكن الاختلاف جاء في الدلالة على المعنى، وهذا له أسباب كما ذكرت بعضها.