فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ؛ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ "صِرَاطٍ" يُشْعِرُ بِوَصْفِ ثَالِثٍ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ ; لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِهَا.
[الشرح]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
هذا الكلام مهم جدا للناظر في كلام السلف في التفسير، وقدّم له بمقدمة؛ وهي أن كلام السلف من الصحابة والتابعين في التفسير قد يكون مختلفا؛ ولكن خلافهم واختلافهم في التفسير قليل إذ بالنسبة إلى اختلافهم في الأحكام الفقهية، فإن اختلافهم في الأحكام كثير جدا، وأما اختلافهم في التفسير فقليل.
وهذا الكلام قد لا يُسَلّم له إذا نظر إلى أن الاختلاف في كل آية موجود عن السلف موجود عنهم الخلاف في تفسير كلمات الآيات أو في تفسير الآيات بين الصحابة والتابعين، وهنا لا يُعترض بمثل هذا الاعتراض قعّد شيخ الإسلام رحمه الله هذه القاعدة التي هي من القواعد الأصولية وهي أن الاختلاف نوعان: اختلاف تنوع واختلاف تضاد.
وبين لك اختلاف التنوع ببيان أصله -أصل معناه-، ثم ببين أمثلة عليها واضحة من غير القرآن، ثم مثل لذلك بالصراط المستقيم في القرآن، وقبله بالذكر في القرآن.