وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة فمن بعدهم يعتنون كثيرا بتفسير كلام الله جل وعلا وبفهم معانيه؛ لأنه هو الحجة على الخلق؛ ولأن التعبد وقع به وبتلاوته وبفهم معانيه وفي أنحاء كثيرة غير ذلك.
فلا غرابة أن ظهر كثير من الصحابة وقد اعتنوا بهذا العلم -علم التفسير- لحاجة الأمة إليه؛ لحاجة المؤمن بنفسه إليه ثم لحاجة الأمة لهذا العلم، فلا أعظم من أن يشرح للناس وأن يُفسر لهم وأن يبين كلام الله جل وعلا إذْ هو الحق الذي لا امتراء فيه وهو الحجة التي ليس بعدها حجة، وهو القاطع الذي تقنع به النفوس وترضى به دليلا وبرهانا وحجة عند الاحتجاج وإيراد البرهان والدليل.
وهذا الكتاب العظيم جعله الله جل وعلا كتابا بلسان عربي؛ بل بلسان عربي مبين، يعني بيّنا في نفسه ومبينا لما يحتاجه الناس من الأخبار ومن الأحكام، والنبي عليه الصلاة والسلام قد بيّن للناس ما نُزِّل إليهم، بيّن للصحابة رضوان الله عليهم ما يحتاجونه من معاني كلام الله جل وعلا، إذْ قد كلف بذلك عليه الصلاة والسلام بقوله جل وعلا {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] ، لكن حاجة الصحابة -رضوان الله عليهم- لم تكن في فهم كلام الله جل وعلا كحاجة غيرهم؛ بل إنهم إنما احتاجوا بعض التفسير وذلك لعلمهم بمعاني كلام الله جل وعلا لأنه نزل باللسان الذي يتكلمون به وباللغة التي ينطقون بها.