فإذا أتت آية مشكلة مثل آية النور في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ؛ يأتي لفظ الزينة هنا، فيُحمل هل يحمل على كل المعهود في اللغة أو يحمل على المعهود في القرآن؟ لاشك أنّ الأولى -كما قال شيخ الإسلام في تفصيله أن يراعى حال معهود المتكلم به والمخاطب والمخاطبين والحال، فهنا في أحد هذه فالقرآن فيه أن الزينة خارجة عن الذات، شيء مجلوب إلى الذات، إذا أتى واحد وقال {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن ما ظهر من الزينة هو الوجه، هذا فسر الزينة بأنه شيء في الذات، وهذا معناه أنه فسرها بشيء غير معهود في استعمال القرآن للفظ الزينة، لهذا كان الصحيح التفسير المشهور عن الصحابة كابن عباس وابن مسعود وغيرهما أنّ الزينة -التفسير المشهور عن ابن عباس وهو مروي عن ابن مسعود وجماعة- أن الزينة هي القرط مثلا الكحل اللباس ونحو ذلك، {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فإذن لا تبدي الزينة؛ لكن ما ظهر منها، ما ظهر من الزينة، ما ظهر من الشيء المجلوب للتزين به فلا حرج على المرأة في ذلك.
فإذن لا تفسر الزينة بأنها الوجه لماذا؟ لأن تفسير الزينة بأنها الزوجة تفسير للزينة بشيء في الذات، وهذا مخالف لما هو معهود من معنى الزينة في القرآن، وهذا له أمثلة كثيرة نكتفي بما مر.
والمقصود بهذا أن معرفة استعمال القرآن للألفاظ التي لها في العربية معاني كثيرة هذا من أعظم العلم بالتفسير، وهذا لا يؤتاه إلا الحافظ للقرآن المتدبر له الذي يعلم تفاسير السلف؛ لأنك تأتي للكلمة ويُشكل تفسيرها فيوردها المفسر على نظائر هذا اللفظ في القرآن، ثم بعد ذلك يظهر له تفسير بعد ذلك وهذه كانت طريقة الصحابة رضوان الله عليهم فيما اجتهدوا في ذلك.