الثاني يُنظر في أسانيد التفسير إلى قبول العلماء من أهل الشأن لها وردهم لها، فإن ردوها بعلة تفسيرية فإنها ترد وإن قبلوها فيؤخذ قبولهم لها ولو كان في إسناد مطعن.
الثالث أنه يُنظر في الأسانيد في الأخبار التي جاءت بالأسانيد إلى المعنى الذي اشتملت عليه دون النظر في الألفاظ فتجد الألفاظ مختلفة لكن لا تنظر إلى اختلاف الألفاظ، أنظر إلى ما اشتركت فيه من أصل المعنى، إما أن الألفاظ المختلفة أفراد للعام، وإما أن تكون نوعين أو معنيي المشترك، أو أن تكون في حالات مختلفة، مثل ما ذكرنا لكم في تفسير قوله {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} [النحل: 41] ، (حسنة) هذه ما هي؟ كل واحد فسؤها بخال من الأحوال بعضهم فسرها بأنها المال، بعضهم فسرها بالإمارة بعضهم فسرها بالجاه ونحو ذلك.
مثل أيضا ما اختلفوا فيه التفسير في سورة الإسراء عند قوله تعالى {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] ، هنا لفظ الأوابين اختلف فيه إلى الأقوال بعضها إسنادها جيد بعضها منقطع بعضها ضعيف بأنواع من العلل:
بعضهم قال: الأوابون هم الذين يصلون الضحى.
بعضهم قال: الأوابون هم الذي يرجعون إلى الله كلما عصوا.
بعضهم قال: الأواب هو الذي يتبع السيئة الحسنة، إذا أساء أتبعها الحسنة. إلى غير ذلك.
الذي فسر الأواب هو المصلي للضحى هذا راع شيء، كل هذه مختلفة في أصل المعنى وإن كان الاختلاف؛ لكن أصل المعنى واحد وهو أن الأبواب هو الذي ينيب إلى ربه بأنواع من الإنابة، إما بالتوبة، وإما بحسنات بعد السيئات وإما بصلاة الضحى أو نحو ذلك.