ثم قال: إن الصدق بهذا المعنى يمكن أن يكون بالنقل المتعدد الذي تكون أفراده غير كافية لإثبات الصدق، ومثّل له برواية مرسلة مثلا رواية في التفسير أو في الحديث أو في الأحكام تكون مرسلة يرسلها سعيد بن المسيب ويأتي ورواية أخرى مثلا في الأحكام يرسلها عامر بن شراحيل الشعبي، ثم مثلا رواية ثالثة في الأحكام يرسلها قتادة، ونحو هؤلاء، فهؤلاء ينظر فيهم هل يقال أنهم تواطؤوا جميعا على هذا؛ يعني اجتمعوا أو اخرجوا هذه الرواية جميعا؟ فإذا كانوا تواطؤوا عليها، هذا يحتمل أن يكون ثم خطأ أو كذب في ذلك، وإما أن يقال أنهم لم يتواطؤوا عليها وهذا هو الظن بهم، ولذلك تكون رواية الشعبي مثلا عاضدة لرواية السعيد بن المسيب، ورواية قتادة عاضدة لرواية الشعبي ورواية سعيد، ويكون الجميع من تحصيل هذه المراسيل: العلم بأن النقل هذا نقل صحيح مصدق؛ لأنه يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب ويستحيل أيضا أن يجتمعوا على خطأ، إلا إذا قيل الثلاثة أخذوا من فك واحد فهذا يكون من الخطأ؛ لأنهم أخذوا عن شخص واحد؛ لكن فإذا كان ما أخذوه متعد مثل الأمثلة التي ذكرته فإن سعيد بن المسيب في المدينة وعامر بن شراحيل الشعبي في الكوفة، وقتادة في البصرة، فيبعد أن يأخذ هذا عن هذا أو يأخذ الجميع عن شخص واحد، فمعنى ذلك أنه يُشعر التعدد بأن النقل مصدق.
وغالب ما يكون التفسير لا تكون أسانيده في تلك القوة، فتجد الأسانيد ضعيفة، فمثلا الذي ينظر فيما ذكرت لكم من قبل لا يُنظر إلى أسانيد التفسير من جنس النظر إلى أسانيد الحديث؛ لأن أسانيد التفسير مبناها على المسامحة وأن بعضها يعضد بعضها إذا ترجّح عند الناظر أن النقل ليس فيه خطأ ولا تعمد كذب.