ألا ترى أنه لما ذكر إهلاك الأمم الكافرة قال: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود: 101]، ومنها: الاعتبار في قدرة الله وشدة عقابه لمن كفر، ومنها تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه له بالتأسي بمن تقدم من الأنبياء كقوله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [الأنعام: 34]، ومنها: تسليته عليه السلام ووعده بالنصر كما نصر الأنبياء الذين من قبله، ومنها: تخويف الكفار بأن يعاقبوا كما عوقب الكفار الذين من قبلهم، إلى غير ذلك مما احتوت عليه أخبار الأنبياء من العجائب والمواعظ واحتجاج الأنبياء وردهم على الكفار وغير ذلك، فلما كانت أخبار الأنبياء تفيد فوائد كثيرة ذكرت في مواضع كثيرة ولكل مقام مقال (?).

هذا الباب من نفائس هذه المقدمة، ويحسن أن نذكر فيه تنبيهاً، وهو أن علماءنا السابقين لم يغفلوا عن النظر الموضوعي للقرآن، وكلام ابن جزي مثال من الأمثلة، وما ذكره في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن، لا يمكن أن يكون إلا بعد النظرة الشمولية لموضوعات القرآن.

فإن قال قائل: لكن ما ذكره ليس كل المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن.

نقول: نعم، لكن ما ذكره هو أصل كل شيء، إذ إن أغلب ما يذكر بعد ذلك هو راجع إلى هذه المعاني التي ذكرها هنا، لذا يحسن أن ننتبه إلى أنَّ تراث العلماء السابقين فيه أشياء كثيرة قد نغفل عنها فنظن أنهم لم يفعلوا ولم يتكلموا، وهم قد تكلموا وأفاضوا، لكن جهلنا بما عندهم من العلم جعلنا نزعم مثل هذا الزعم.

والمؤلف رحمه الله جعل مقصود القرآن الكلي دعوة الخلق إلى عبادة الله سبحانه، ثم ذكر أن هذا المقصد يقتضي أمرين ـ ترجع إليهما معاني القرآن كله ـ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015