عليه توكلت وإليه متاب، وصلاة الله وسلامه وتحياته وبركاته وإكرامه على من دلَّنا على الله، وبلَّغنا رسالة الله، وجاءنا بالقرآن العظيم وبالآيات والذكر الحكيم، وجاهد في الله حق الجهاد، وبذل جهده في الحرص على نجاة العباد، وعلَّم ونصح وبيَّن وأوضح حتى قامت الحجة، ولاحت المحَجَّة، وتبيَّن الرشد من الغي، وظهر طريق الحق والصواب، وانقشعت ظلمات الشك والارتياب، ذلك سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي القرشي الهاشمي المختار من لُباب اللباب، والمصطفى من أطهر الأنساب، وأشرف الأحساب، الذي أيده الله بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، والجنود القاهرة، والسيوف الباترة الغضاب، وجمع له بين شرف الدنيا والآخرة، وجعله قائداً للغر المحجَّلين والوجوه الناضرة، فهو أول من يشفع يوم الحساب، وأول من يدخل الجنة ويقرع الباب، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الأكرمين خير أهل وأكرم أصحاب، صلاة زاكية نامية لا يحصر مقدارها العد والحساب، ولا يبلغ إلى أدنى وصفها ألسنة البلغاء ولا أقلام الكتَّاب، أما بعد:
فإن علم القرآن العظيم هو أرفع العلوم قدراً، وأجلها خطراً، وأعظمها أجراً، وأشرفها ذكراً، وأن الله أنعم عليَّ بأن شغلني بخدمة القرآن وتعلُّمه وتعليمه، وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه، فاطلعت على ما صنفه العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف، المتباينة الأصناف، فمنهم من آثر الاختصار، ومنهم من طوَّل حتى أكثر الأسفار، ومنهم من تكلَّم في بعض فنون العلم دون بعض، ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس، ومنهم من عوَّل على النظر والتحقيق والتدقيق، وكل أحد سلك طريقاً نحاه، وذهب مذهباً ارتضاه، وكلاًّ وعد الله الحسنى، فرغبتُ في سلوك طريقهم، والانخراط في سلك فريقهم، وصنفتُ هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم وسائر ما يتعلق به من العلوم، وسلكت مسلكاً نافعاً؛ إذ جعلته وجيزاً جامعاً، قصدت به أربع مقاصد تتضمن أربع فوائد: