الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما هو في عهد عثمان رضي الله عنه، وأي خلاف يورد في هذا يحتاج إلى دليل صريح، لذا فإن القول بأن القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن معروف الترتيب، أو أن المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه غير مرتب السور، قولٌ فيه نظر.
قوله: (وانتشرت في خلال ذلك صحف كتبت في الآفاق عن الصحابة، وكان بينها اختلاف، فأشار حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان رضي الله عنهما فجمع الناس على مصحف واحد خيفة من اختلافهم).
ذكر المؤلف رحمه الله انتشار الصحف في عهد عثمان، ولكن لا يعني هذا تكاثر المصاحف كما نشاهده اليوم في مساجد المسلمين، بل هو انتشار نسبي؛ أي: أنها بالنسبة إلى ما قبلها من عام (25هـ) أكثر، وإلا فإن القراءة من خلال الحفظ في عهد عثمان أكثر رضي الله عنه من القراءة من خلال الصحف.
ومع أن الكتابة صار لها انتشار إلا أنها لم تصل إلى أن تكون الصحف أصولاً يُرجع إليها ـ كما هو الحال اليوم ـ فما زال المقروء من الصدور سائداً في العالم الإسلامي، والقرآن يتلقى من خلال أفواه القراء.
ولما لاحظ حذيفةُ بن اليمان رضي الله عنه (ت36هـ) في فتح أرمينية القَرَأةَ يختلفون، كما ورد في الأثر عنه: «... وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ» (?)، ولم يكن لهم أصل يرجعون إليه لمعرفة الصحيح من غيره، كما كان الحال لما وقع ـ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (ت23هـ) وأبي بن كعب رضي الله عنه (ت30هـ) ـ الاختلاف في القراءة؛ رجعا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فبيَّن لهما صحَّة قراءتهما مع اختلافها، فإذا كان قد وقع ذلك ممن حضر التنزيل