التي يقرأ بها قراء ذلك المصر، فقوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24]، جاء الرسم موافقاً لمن يثبت الضمير {هُوَ}، والمصحف الذي يقرأ به هؤلاء يكون هذا اللفظ مثبتاً فيه، لكن لو كتبنا المصحف على رواية من يحذف (هو)، فإننا نحذفها ولا نثبتها، قال ابن مجاهد: «قرأ نافع وابن عامر: (إِنَّ اللهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [الحديد: 24]، ليس فيها هو، كذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24]، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والعراق) (?).
الرابعة: لم يحرص الصحابة على تدوين كافة وجوه الاختلاف في الرسم، بل إن بعض الكلمات كُتبت على وجه واحد، وهي تقرأ بعدة وجوه قرائية، وهذا يدلُّ ـ أيضاً ـ على أن الأصل هو المقروء من الصدور، وليس المرسوم، ومن ذلك أن المصاحف اتفقت على رسم واحد في قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]، فرسموها بالضاد، وهي تقرأ على وجهين بالضاد وبالظاء، لذا فإنها تكتب في جميع المصاحف على جميع الروايات بالضاد بخلاف المسألة السابقة التي ثبت أن الصحابة كتبوها على وجهين، ولو أشير لمن يقرأ بالظاء بوضع حرف ظاء صغير فوقها، لجاز، ولكان هذا من باب الضبط.
الرابعة: الرسم ليس توقيفياً؛ أي: ليس مأخوذاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإنما يدخل في باب الإجماع، فهو إجماع من الصحابة.
وإذا نظرنا إلى تاريخ تدوين المصحف، فإنه سيتبين لنا أنه قبل نسخ المصاحف ـ وكذا أثناءها ـ كان هناك اختلاف في المرسوم كما كان