خلال عبارة المؤلف أن نميز ونفرِّق بينهما، ولا نقول: إن العطف يقتضي المغايرة؛ لأن المؤلف قد يكون ذكر هذا من باب تنويع العبارة وليس من باب المغايرة، ثم قال: (وسنذكر بعد هذا باباً في موجبات الترجيح)، ويلاحظ أنه غيَّر المصطلح، فسمَّاها قبل ذلك قواعد الترجيح، ثم سمَّاها هنا موجبات الترجيح، ثم سمَّاها وجوه الترجيح في بابها الذي سيناقش فيه ذلك، وتنوع مصطلحات العالم قد يكون من باب تنويع العبارة، وقد يكون له مقصد لا نعرفه.
ثم قال: (وسميته كتاب التسهيل لعلوم التنزيل).
الأصل في هذا الكتاب أنه كتاب تفسير، فنُصَنِّفه في كتب علوم التفسير؛ لكن المؤلف أراد أن يضيف إليه أنواعاً من علوم القرآن، وهذا ظاهر من تسمية المؤلف له حيث جعله في «علوم التنزيل»، أي: «علوم القرآن».
لذا أقول: من أراد أن يكتب في تصنيف علوم القرآن فلا بد أن يذكر هذا الكتاب أثناء كتابته عن تطور علوم القرآن في المراحل التاريخية؛ لأن علوم القرآن مقصد من مقاصد التأليف عند المؤلف ونصَّ عليها في أكثر من موطن، ولما سمَّى كتابه لم يسمِّه «تفسيراً»، بل سمَّاه: «التسهيل لعلوم التنزيل»، فيجب أن نعرف أن للعلماء مناهج في الحديث عن علوم القرآن فبعضهم ألف مؤلفات مفردة كالناسخ والمنسوخ، وأحكام القرآن والمكي والمدني، وبعضهم ألف كتباً فيها جمع لعددٍ من علوم القرآن، ومن أشهرها: كتاب البرهان للزركشي (ت794هـ)، والإتقان للسيوطي (ت911هـ).
والمشكلة التي قد تقع لبعضنا في الوقت الحاضر أنه لا يفهم أنواع علوم القرآن إلا من خلال ما كتبه «صاحب البرهان» و «صاحب الإتقان»، فأي كتاب لا يتمثَّل فيه صبغة البرهان وصبغة الإتقان فإنه عنده ليس من كتب علوم القرآن.