رواية في آية منسوخة، وهي: «لا ترغبوا عن آبائكم»، فالطريق الذي عرفنا به هذه الآية أنها منسوخة هو طريق النقل عن الصحابة، فالصحابي عندما يخبر بعبارات تدل على أنها كانت قرآناً فيقول: كان مما يتلى، أو كان مما أنزل الله، أو كان مما نقرأ، هذه العبارات تدل على أن آية نزلت وكانت تقرأ ثم نسخت، وهذا النوع لا مجال لإنكاره؛ لأن إثباته إنما هو من جهة الخبر ولا شك أن هذه الأخبار التي ارتبطت بها هذه الآثار أخبار آحاد، وخبر الواحد يوجب العلم خصوصاً إذا عَمِلَت به الأمة، أو إذا كثرت أخبار آحاد في قضية معينة فتدل على ثبوت هذه القضية.
قال الدكتور مصطفى زيد ـ بعد ذكره لكلام طويل عن الآيات المنسوخة نسخاً كلياً؛ أي: لفظاً وتلاوة ومعنى ـ في كتابه: «النسخ في القرآن» ـ وهو من أنفس كتب النسخ ـ قال: «وفي بعض هذه الروايات جاءت هذه العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا مكانة عائشة»، ثم قال بعد ذلك: «مما يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسها على المسلمين» (?).
أقول: هذه الطريقة من الحكم غريبة جدّاً، وهي تخالف منهج البحث العلمي، وقد وقع بعض المعاصرين في هذه المشكلة، فإذا أعياه شيء من الآثار قال: إنه من بثِّ الزنادقة، وأقول: إذا دُسَّ شيء على المسلمين هل سيخفى على جهابذة العلماء؟!
لذا يجب التنبه لهذه القضية الفكرية التي توجد عند بعض الباحثين، إذ مع جودة بحوثهم إلا أنهم إذا جاءتهم نصوص لم يعرفوا وجهها اعترضوا عليها بمثل هذا الاعتراض، والواجب الاعتماد على الآثار المنقولة وجعلها أصلاً، ثمَّ تفهُّمها، ومعرفة وجهها، وتخريجها تخريجاً سليماً، وليس ردُّها بهذه الطريقة الغريبة.