قال المؤلف: (واعلم أن السلف الصالح انقسموا إلى فرقتين: فمنهم من فسر القرآن وتكلم في معانيه وهم الأكثرون، ومنهم من توقف عن الكلام فيه احتياطاً، لما ورد من التشديد في ذلك).

أما المفسرون للقرآن من الصحابة والتابعين فكثير، وهم أكثر ممن نُقل عنهم التحرُّج في التفسير، وفي طبقة الصحابة لا يكاد يوجد من توقَّف عن القول في كتاب الله بالكلية، فالتحرج التام لم يكن مشهوراً في جيل الصحابة بل ظهر في جيل التابعين، خصوصاً أهل المدينة وأهل الكوفة.

وبعض التابعين الذين نُقل عنهم التحرُّج من القول في التفسير، أو التشديد فيه، نجد أن لهم فيه أقوالاً، مما يعني أنهم أرادوا القول بالرأي المذموم الذي يكون عن غير علم، أما إذا كان المفسر آثراً لقول، وعارفاً به، فإنه يخرج من دائرة التحرُّج، وتراه يفسر القرآن، ومثال ذلك سعيد بن المسيب (ت94هـ)، فإنه رُوي عنه التشدُّد في التفسير، ومن ذلك ما رواه الطبري (ت310هـ) في مقدمة تفسيره عن تلاميذه، فقد روى بسنده عن يحيى بن سعيد، قال: «سمعت رجلاً يسأل سعيد بن المسيب عن آيةٍ من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئاً» (?).

وفي رواية أخرى عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: «أنه كان إذا سُئل عن تفسير آية من القرآن، قال: أنا لا أقول في القرآن شيئاً» (?).

وروى بسنده ـ أيضاً ـ عن حماد بن زيد، قال: «حدثنا عُبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليُغلظون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيَّب، ونافع» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015