ثم جاء القاضيان أبو بكر بن العربي، وأبو محمد عبد الحق بن عطية فأبدع كل واحدٍ وأجمل، واحتفل وأكمل، فأما ابن العربي فصنف كتاب «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال والجمع لعلوم القرآن، فلما تلف تلافاه بكتاب «قانون التأويل» إلا أنه اخترمته المنية قبل تخليصه وتلخيصه، وألف في سائر علوم القرآن تآليف مفيدة.

وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف وأعدلها، فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها ولخصها، وهو مع ذلك حسن العبارة، مسدد النظر، محافظ على السنة.

ثم ختم علم القرآن بالأندلس وسائر المغرب بشيخنا الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، ولقد قطع عمره في خدمة القرآن، وآتاه الله بسطة في علمه، وقوة في فهمه، وله فيه تحقيق، ونظر دقيق.

ومما بأيدينا من تآليف أهل المشرق تفسير أبي القاسم الزمخشري، وأبي الفضل الغزنوي، وأبي الفضل بن الخطيب.

فأما الزمخشري، فمسدد النظر، بارع في الإعراب، متقن في علم البيان، إلا أنه ملأ كتابه من مذهب المعتزلة ونصرهم، وحمل آيات القرآن على طريقتهم، فتكدر صفوه، وتَمَرَّرَ حُلْوُه، فخذ منه ما صفا، ودع ما كدر.

وأما الغزنوي، فكتابه مختصر جامع، وفيه من التصوف نكت بديعة.

وأما ابن الخطيب، فتضمن كتابه ما في كتاب الزمخشري، وزاد عليه إشباع الكلام في قواعد علم الكلام، ونَمَّقَهُ بترتيب المسائل، وتدقيق النظر في بعض المواضع، وهو على الجملة كتاب كبير الجرم، وربما احتاج إلى تنخيل وتلخيص، والله ينفع الجميع بخدمة كتابه، ويجزيهم أفضل ثوابه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015