احترام للسابقين، وليس بأسلوب التهكم كما يفعله بعضهم، أو بإقصاء أقوالهم وعدم ذكرها إذا لم يكن يفهم مقصود هذه الأقوال، فأقوال السلف من حيث الجملة حجة معتبرة، ولا يجوز مناقضتها ولا إبطالها، وحينما نأتي إلى التفصيلات سنجد أن عندهم أقوالاً ضعيفة فهذه تردُّ بالأدلة العلمية، وإن وجدنا عندهم اختلافاً؛ فإذا لم يمكن القول بها جميعاً على سبيل اختلاف التنوع، فإنه يمكن أن نرجح بين أقوالهم بالقواعد العلمية المعتبرة.
ومعرفة هذا الأسلوب من التعامل مع أقوال السلف مهم لطالب العلم الذي يريد أن يدرس التفسير؛ لأنه سيواجه أقوالاً قد يضعِّفها، لكن تضعيفه لها بسبب نقص في العلم عنده، وليس لأن القول في ذاته ضعيف، بل لأنه لم يفهم مراده فخطَّأه، وقد يفهم مراده على غير ما أراده فيخطِّئ ما فهمه هو ظنّاً منه أن هذا هو معنى القول، والواقع أن الخطأ في فهمه، وليس في القول الذي قال به واحد من علماء السلف.
ومن الأمثلة التطبيقية على التعامل مع قول السلف:
ورد عن قتادة (ت117هـ) أنه قال: «إن الله خلق النجوم لثلاثة فوائد: الأولى: نجوم، والثانية: زينة، والثالثة: علامات {وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] يعني: علامات للاهتداء، قال: فمن زعم غير ذلك فقد كفر» (?).
عند مناقشة هذا القول يجب أن ننتبه لسببِهِ وموجبهِ، فبعض الأقوال يتبين لنا من خلال النظر في السياق أو المعرفة التاريخية التي تحتفُّ بالقول: أن لهذا القول سبباً جعل هذا المفسر يذكره، فَحَصْرُ قتادة (ت117هـ) فائدةَ خَلْقِ النجوم في هذه الحِكَمِ الثلاث فيه ردٌّ على من يزعم