أشكوه من الضرورة سعة، وما أظهر من التجمل حقيقة، فتكون كمن يحسب السقم صحة، والورم سمناً وقوة.

وما انتِفاعُ أخي الدُّنيا بناظِرِهِ ... إِذا استَوَتْ عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ

ثم ضرب في ذلك مثلاً، فقال: وما ينتفع أخو الدنيا بنظره، ولا تعود عليه فائدة بصره، إذا استوى عنده الصحة والسقم، والأنوار والظلم.

أَنَا الذي نَظَر الأَعْمَى إلى أَدَبي ... وَأَسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بِهِ صَمَمُ

يقول: أنا الذي استذاع أدبي، واستبان موضعي فيه، فثبت ذلك في العقول، وتمكن في القلوب، ورآه الأعمى وإن كان لا يبصر، وأسمعت كلماتي فيه ذا الصمم وإن كان لا يسمع.

أَنَامُ مِلَء جُفُوني عن شَوارِدِها ... وَيَسْهَر الخلقُ جَرَّاها وَيَخْتَصمُ

تقول العرب: فعلت هذا من جرى فلان، أي: من أجله.

ثم قال: أنام ساكن النفس، متمكن النوم، لا أعجب بشوارد ما أبدع، ولا أحفل بنوادر ما أنظم، ويسهر الخلق في تحفظ ذلك وتعلمه، ويختصمون في تعرفه وتفهمه، فاستقل منه ما يستكثرونه، وأغفل عما يغتنمونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015