ولمَّا حضرته الوفاة عهد بولَديه إلى صديق له متصوِّف يظن به خيراً، فعلَّمهما هذا المتصوِّف الخطَّ على وصيَّة والدهما (?). فلمَّا فني ما تركه لهما أبوهما، وتعذَّرت عليهما النفقة، وجَّههما هذا المتصوِّف إلى المدرسة ليطلبا فيها العلم فتحصل لهما النفقة فيها، فكان الغزالي يقول: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" (?). فقرأ الغزالي شيئاً من الفقه في صباه بطوس على الشيخ أحمد ابن محمَّد الراذكاني (?).
ثم رحل في طائفة من طلبة العلم إلى نيسابور، فلازم إمام الحرمين الجويني، فجدَّ واجتهد، حتى برع في المذهب، والخلاف، والجدل، والأصول، والمنطق، والفلسفة، وأحكم كل ذلك في مدَّة قريبة، وفاق أقرانه، وصار أَنْظَر أهل زمانه، وذلك في حياة شيخه إمام الحرمين، وبدأ في التصنيف والردِّ على المبطلين (?). وبقي هكذا إلى أن توفي شيخه إمام الحرمين، فخرج حينذاك من نيسابور إلى المعسكر، وفيه كان مجلس الوزير نظام الملك، وكان مجلسه مجمع أهل العلم، فهناك ناظر، وظهر، وذاع صيته، فنال إعجاب الوزير وقبوله، فرشَّحه ليدرِّس بالمدرسة النظَّاميَّة ببغداد (?)، فارتحل إليها (سنة 484 هـ) فدرَّس بها (?)، وأعجب الناس به، حتى كان مسموع الكلمة، مشهور الاسم، يضرب به المثل.