ولا يقول عاقل إن الإمام رضي الله عنه يجد في مسألة نصاً عن الشارع ويخالفه بقياس أو رأي .. حاشاه من رأي أو قياس يخالفان الشريعة.
والذي أجمع عليه أهل مذهبه أنه رضي الله عنه يأخذ بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء، فإن اختلف خبران وكان لأحدهما وجه في التأويل يوافق به الخبر الآخر الذي ليس له إلا وجه واحد في الظاهر وفق بينهما.
فإن لم يجد خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من آثار الصحابة ما كان أقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه ويسمى ذلك اجتهاداً (?)
كما أثر عنه رضي الله عنه قوله: كذب والله وافترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلى قياس!!
وقال نحن لانقيس إلا عند الضرورة الشديدة، وذلك أننا ننظر في دليل المسألة من الكتاب والسنة أو أقضية الصحابة، فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذ مسكوتاً عنه على منطوق به (?).
وقال الحافظ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي محدث الديار المصرية في (عقود الجمان): كان أبو حنيفة من كبار حفاظ الحديث وأعيانهم، ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط مسائل الفقه، وذكره الذهبي في طبقات الحفاظ - ولقد أجاد وأفاد.
وفي سبب قلة الرواية عنه .. بالمقارنة مع بقية الفقهاء يقول الصالحي: إنما قلّت الرواية عنه -وإن كان متسع الحفظ - لاشتغاله بالاستنباط، وكذلك لم يرو عن مالك والشافعي إلا القليل بالنسبة إلى ما سمعاه للسبب نفسه.
كما قلّت رواية أمثال أبي بكر وعمر من كبار الصحابة رضي الله عنهم إلى كثرة اطلاعهم.