ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَنُّ لِيَسْتَكْثِرَ بِأَنْ يُعْطِيَ قَلِيلًا فَيَأْخُذَ كَثِيرًا أَوْ بِأَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً فَيَنْتَظِرَ ثَوَابَهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِهَا.
(ص) وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ (ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَهِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحُرُوبِ فَقَدْ أُبِيحَ لَهُ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَنْ يُوَرِّيَ بِغَيْرِهِ وَيُسَمَّى مَا ذُكِرَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ.
(ص) وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ (ش) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] أَيْ اتَّقُوهُ فِي التَّقَدُّمِ السِّلْمِيِّ فِي إهْمَالِ حَقِّهِ وَتَضْيِيعِ حُرْمَتِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُحَارِبِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ خُصُومَةٌ.
(ص) وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ (ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] الْآيَةَ وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ «أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُكَلِّمْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ عَلَى كَلَامِهِ كَرَفْعِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرِضَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] الْآيَةَ وَكَلَامُهُ مِنْ الْوَحْيِ وَلَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِلْقُرْآنِ إلَّا فِي مَعَانٍ مُسْتَثْنَاةٍ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَعِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ وَيُكْرَهُ قِيَامُ قَارِئِ كَلَامِهِ لِأَحَدٍ قِيلَ وَتُكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ أَشَارَ لَهُ بَعْضٌ.
(ص) وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ (ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَنْ نُنَادِيَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [الحجرات: 5] وَالْحُجْرَةُ جَمْعُهَا حُجُرَاتٌ وَهِيَ الْمَوْضِعُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ بِحَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ.
(ص) وَبِاسْمِهِ (ش) أَيْ وَمِنْ خَصَائِصِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارَبِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ أَوْ انْهِزَامٍ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِأَوْ فَيُرَادُ بِالثَّانِي مَا عَدَا الْأَوَّلَ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُلَاقِيَ الْعَدُوَّ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ إلَخْ لِشُمُولِهِ كَمَا قَرَّرْنَا وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَنُّ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ رَذَالَةٍ لَا تَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ كَثِيرًا) صَادَقَ بِالطَّلَبِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ) أَيْ فِي الْآيَةِ فَقَدْ قِيلَ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك عَلَى رَبِّك وَمِنْ ذَلِكَ لَا تَمْنُنْ عَلَى النَّاسِ بِالنُّبُوَّةِ تَأْخُذُ مِنْهُمْ أَجْرًا عَلَيْهَا وَمِنْ ذَلِكَ لَا تَضْعُفْ عَنْ الْخَيْرِ أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ) أَيْ جِنْسِهَا الْمُتَحَقِّقِ، وَلَوْ فِي اثْنَيْنِ كَمَا هُنَا.
(قَوْلُهُ وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ ثُمَّ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْإِظْهَارَ مَدْرَكُهُ السَّمْعُ لَا الْعَيْنُ فَمَا وَجْهُ نِسْبَتِهِ لِلْأَعْيُنِ نَعَمْ لَوْ أُرِيدَ بِالْعَيْنِ الذَّاتُ لَصَحَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ هِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ) بِأَنْ يُظْهِرَ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ وَيُرِيدَ الْقَتْلَ وَسُمِّيَ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ لِإِخْفَائِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحُرُوبِ) قَدْ يُبْحَثُ فِيهِ بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ مِنْهُ فِي الْحُرُوبِ إنَّمَا هُوَ إظْهَارُ مَا قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى مَحَلٍّ يَسْأَلُ عَنْ سُهُولَةِ الطَّرِيقِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَكَيْفَ مَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُوهِمُ الذَّهَابَ إلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَقُولُ أَنَا ذَاهِبٌ إلَى مَحَلِّ كَذَا وَقَصْدُهُ الذَّهَابُ إلَى غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ عَلَى تَفْسِيرِ الْجَوَاهِرِ بِأَنَّهُ الَّذِي يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لَكِنْ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْحُرُوبِ كَذَا قَالَ عج قَالَ عب وَقَدْ يُقَالُ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ تَوْرِيَةٌ قَطْعًا (أَقُولُ) لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَحَدِيثُ «إنَّا لَنَبَشُّ فِي وُجُوهِ قَوْمٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ» هُوَ كَالْحَرْبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَبَشَّ مِنْ بَابِ عَلِمَ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ لِمَوْضِعِ كَرَامَةٍ، وَيَخَافُ إنْ ذَهَبَ مِنْ بَابٍ مُعَيَّنٍ يَتْبَعُهُ الْغَيْرُ فَيَذْهَبُ مِنْ بَابٍ آخَرَ يُوقِعُ فِي وَهْمِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ ذَاهِبًا لِمَوْضِعِ كَرَامَةٍ فَلَا يَحْرُمُ.
(قَوْلُهُ السِّلْمِيِّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا الصُّلْحِيِّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (قَوْلُهُ فِي إهْمَالِ حَقِّهِ إلَخْ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ التَّقَدُّمِ السِّلْمِيِّ أَوْ بِسَبَبِ إهْمَالِ حَقِّهِ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ إهْمَالِ حَقِّهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُحَارِبِ لَهُ لَا خُصُوصَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (ثُمَّ أَقُولُ) فِي الْكَلَامِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ السِّلْمِيَّ مَعْنَاهُ الصُّلْحِيُّ أَيْ الْمَنْسُوبُ لِلصُّلْحِ فَهُوَ غَيْرُ الصُّلْحِ إذْ الْمَنْسُوبُ غَيْرُ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ هُوَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَكُنْ مِنْكُمْ صُلْحٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَمُحَارِبِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إهْمَالِ حَقِّهِ وَتَضْيِيعِ حُرْمَتِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ نِسْبَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ قَدْ تَجُوزُ عِنْدَ قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ يَكُونُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْنَا لَهُ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ حَتَّى يُلَاقِيَ الْعَدُوَّ كَمَا أَشَارَ لَهُ سَابِقًا.
(قَوْلُهُ وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ حَضَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ لِقِرَاءَتِهِ وَأَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَرَاجِعْ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَعَانٍ مُسْتَثْنَاةٍ إلَخْ) أَيْ كَإِبَاحَةِ مَسِّهِ لِغَيْرِ مُتَوَضِّئٍ وَجَوَازِ قِرَاءَتِهِ لِجُنُبٍ (قَوْلُهُ قِيلَ وَتُكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ قَوْلَيْنِ وَعَلَى كُلٍّ فَكَلَامُهُ دَالٌّ عَلَى ضَعْفِ الْحُرْمَةِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْكَرَاهَةُ.
(قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَوْضِعُ الْمَحْجُورُ بِحَائِطٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي أَشْغَالِهِ الْمُهِمَّةِ فَإِزْعَاجُهُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ سُوءُ أَدَبٍ انْتَهَى وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ نِدَاءَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْرُمُ كَأَنْ يُنَادِيَهُ مَنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِنِدَائِهِ إزْعَاجٌ كَخَادِمِهِ أَوْ أَكَابِرِ الصَّحْبِ وَلِذَا قَالَ أَكْثَرُهُمْ وَقَوْلُهُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ أَيْ خَيْرِيَّةٌ تَنْفِي عَنْهُمْ الْإِثْمَ فَصَحَّ الدَّلِيلُ لِلدَّعْوَى.