لِمَا لَمْ يَكْفُرُوا بِهِ وَذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا كَفَرُوا بِهِ كَقَوْلِهِمْ إنَّهُ تَقَوَّلَ الْقُرْآنَ وَالضَّمِيرُ فِي قَالُوا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ.

وَقَوْلُهُ (وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) لَك أَنْ تُرْجِعَهُ لِلسَّابِّ خَاصَّةً. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ مَسَائِلِ النَّقْضِ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى مِنْ قَتْلٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ ضَرْبِ جِزْيَةٍ وَلَك أَنْ تُرْجِعَهُ لِجَمِيعِ مَسَائِلِ النَّقْضِ لَكِنْ فِي السَّابِّ يَتَعَيَّنُ الْقَتْلُ وَفِي غَيْرِهِ إنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتَلَهُ.

(ص) ، وَإِنْ خَرَجَ لِدَارِ الْحَرْبِ وَأُخِذَ اُسْتُرِقَّ إنْ لَمْ يُظْلَمْ وَإِلَّا فَلَا كَمُحَارَبَتِهِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ لِدَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ مَظْلِمَةٍ لَحِقَتْهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَأَخَذْنَاهُ فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُخَيَّرُ فِيهِ فِي بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْأَسِيرِ لِرَدِّ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَعُودُ إلَى الرِّقِّ أَبَدًا وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ بِعَتَاقَةِ مِنْ رِقٍّ مُتَقَدِّمٍ فَلَا تُنْقَضُ وَإِنَّمَا تُرِكَ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُسْلِمِينَ لِمَا بَذَلَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْغَرَضُ وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعُ فِيهِ وَكَانَ كَالصُّلْحِ يَنْعَقِدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى شُرُوطٍ، فَإِنْ لَمْ يُوَفُّوا بِهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ. وَأَمَّا إنْ خَرَجَ لِأَجْلِ الظُّلْمِ الَّذِي لَحِقَهُ، وَلَوْ بِشَكٍّ ثُمَّ أُخِذَ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ كَمَا إذَا حَارَبَنَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الذِّمَّةِ، فَإِنْ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مُعَارَضَةٌ لِحَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْجِهَادِ وَلَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَظْهَرَ الْقِتَالَ وَهُوَ هُنَا مُتَلَصِّصٌ وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لَيُشَبِّهَ بِهِ قَوْلَهُ كَمُحَارَبَتِهِ.

(ص) ، وَإِنْ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ وَحَارَبُوا فَكَالْمُرْتَدِّينَ (ش) صُورَتُهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا إلَى الْكُفْرِ ثُمَّ حَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا بِحُكْمِ الْكُفَّارِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَيُسْتَتَابُ كِبَارُهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا وَيُجْبَرُ صِغَارُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَلَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَلَمَّا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِتَالِ الْحَرْبِيِّ أَمَانًا وَاسْتِئْمَانًا وَمُهَادَنَةً وَصُلْحًا وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ الْكَلَامَ عَلَى مَا عَدَا الْمُهَادَنَةِ خَتَمَ أَبْوَابَ الْجِهَادِ بِهَا مُسْتَغْنِيًا بِذِكْرِ شُرُوطِهَا الْأَرْبَعَةِ عَنْ حَدِّهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُهَادَنَةُ وَهِيَ الصُّلْحُ عَقْدُ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسَالَمَةِ أَيْ الْمُتَارَكَةِ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَيَخْرُجُ الْأَمَانُ وَالِاسْتِئْمَانُ فَقَالَ (ص) وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ لِمَصْلَحَةٍ إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ، وَإِنْ بِمَالٍ إلَّا لِخَوْفٍ (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى شُرُوطِهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ لَهَا الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي أَوْ نَائِبُهُ لَا غَيْرُهُ بِخِلَافِ التَّأْمِينِ فَيَصِحُّ، وَلَوْ مِنْ آحَادِ النَّاسِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ كَالْعَجْزِ عَنْ الْقِتَالِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْوَقْتِ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ عَلَى وَفْقِ الرَّأْيِ السَّدِيدِ لِلْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ الثَّالِثُ أَنْ يَخْلُوَ عَقْدُهَا عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ أَسِيرًا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ بَقَاءِ قَرْيَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي) هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْسُبْهُ لِغَيْرِهِ لِقَصْدِ التَّبَرِّي مِنْهُ بَلْ لِكَوْنِهِ كَلَامًا قَبِيحًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى نَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ وَنَحْوُهُ قَالَهُ اللَّقَانِيِّ، وَلَوْ قَالَ كَقَوْلِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى.

(فَائِدَةٌ) نَصَّ عِيَاضٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَهَافَتَ فِي سَبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ حَرْقُهُ حَيًّا وَأَوْلَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا كَتَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِإِذْنِ مَالِكٍ جَوَابُ سُؤَالٍ وَرَدَ مِنْ مِصْرَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) أَيْ غَيْرَ فَارٍّ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ (قَوْلُهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ إلَخْ) فِي عب خِلَافُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ وَقُتِلَ وُجُوبًا فِي السَّبِّ وَغَصْبِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورِهَا إنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَأَمَّا فِي التَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ. وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ فَيَنْظُرُ فِيهِ كَالْأَسْرَى بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَذَا فِي النَّقْلِ وَيَنْبَغِي قِيَاسُ مَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقِتَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ نَقْتُلُهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ بَاطِنَهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِهِ فَلَمَّا وَجَدْنَاهُ خَالَفَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِخِلَافِ الْكَافِرِ نَعْرِفُ أَنَّ بَاطِنَهُ التَّنْقِيصُ لَكِنَّنَا مَنَعْنَاهُ مِنْ إظْهَارِهِ فَإِذَا خَالَفَ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ مَا لَمْ يُسْلِمْ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ) أَيْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ صَلْبٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَفْيٍ.

(قَوْلُهُ وَحَارَبُوا) أَيْ كَمُحَارَبَةِ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا إذَا حَارَبُوا كَمُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ فِيهِمْ لِلْحِرَابَةِ ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهِمْ كَمَا يَنْظُرُ فِي الْمُرْتَدِّينَ (قَوْلُهُ فَكَالْمُرْتَدِّينَ) فِي الْمَالِ وَالدَّمِ (قَوْلُهُ وَلَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ إلَخْ) أَيْ بَلْ تُوقَفُ، فَإِنْ قُتِلُوا فَيَصِيرُ مَالُهُمْ فَيْئًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَصْبَغَ مِنْ أَنَّهُمْ كَالْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ يُسْتَرَقُّونَ وَأَوْلَادَهُمْ وَعِيَالَهُمْ.

(قَوْلُهُ وَصُلْحًا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ الْأَمَانُ وَالِاسْتِئْمَانُ) فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ فِيهِمَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ لِمَصْلَحَةٍ) مُسْتَوِيَةٌ فِيهَا وَفِي عَدَمِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا فَقَطْ تَعَيَّنَتْ وَفِي عَدَمِهَا امْتَنَعَتْ وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لِلْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِجَعْلِ اللَّامِ مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَتِهَا وَهُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْأَوَّلِ وَمَجَازُهَا فِي الثَّانِي وَهِيَ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ تُجْعَلُ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ وَيُرَادُ شَأْنُ الْمُهَادَنَةِ الشَّامِلُ لِتَرْكِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهَادَنَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ إنْ خَلَا) وَلَمْ يُعْطَفْ هَذَا الشَّرْطُ الثَّالِثُ بِالْوَاوِ فِيهِ لِجَعْلِ الشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَعْنِي الْإِمَامَ وَالْمَصْلَحَةَ كَالْمَوْضُوعِ لِلْمُهَادَنَةِ وَقَوْلُهُ إنْ خَلَا أَيْ الْمُهَادَنَةُ بِمَعْنَى الصُّلْحِ أَوْ عَقْدِهَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) دَلِيلٌ لِلْعُمُومِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْإِطْلَاقُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015