أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ إتْعَابَ نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ حِجَاجَهُ مَعَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَحُجُّ بِهِ رَاكِبًا وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى فُلَانٌ أَنْ يَحُجَّ مَعَ الْحَالِفِ حَجَّ الْحَالِفُ وَحْدَهُ رَاكِبًا وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى إحْجَاجَهُ مِنْ مَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ إلَّا إحْجَاجُ الرَّجُلِ فَإِنْ أَبَى الرَّجُلُ فَلَا حَجَّ عَلَى الْحَالِفِ.
(ص) وَلَغَا عَلَى الْمَسِيرِ وَالذَّهَابِ وَالرُّكُوبِ لِمَكَّةَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ أَوْ نَذَرَ الذَّهَابَ إلَيْهَا أَوْ نَذَرَ الرُّكُوبَ إلَيْهَا أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَحَنِثَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ إذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ يَلْزَمُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الذَّهَابَ وَالْمَسِيرَ مُسَاوِيَانِ لِذَلِكَ قُلْت قَالَ الشَّيْخُ دَاوُد مَا نَصُّهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا جَرَى بِلَفْظِ الْمَشْيِ وَلِأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ فِيهِ السُّنَّةُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى.
(ص) وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَّةَ وَلَا بَيْتِ اللَّهِ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذْ الْمَشْيُ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا طَاعَةَ فِيهِ وَأَلْزَمَهُ أَشْهَبُ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ.
(ص) وَمَشَى لِمَسْجِدٍ وَإِنْ لِاعْتِكَافٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَوْ لِاعْتِكَافٍ أَوْ صَلَاةٍ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ وَلَغَا إتْيَانٌ لِمَسْجِدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِيهَامِ كَلَامِهِ لُزُومَ الرُّكُوبِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَشْيِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا فَقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ قَرِيبٍ جِدًّا كَالْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ مَاشِيًا أَوْ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا الْمُدَوَّنَةُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا نَذَرَهُ بِمَوْضِعِهِ كَمَنْ نَذَرَهُمَا بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ.
(ص) وَمَشَى لِلْمَدِينَةِ أَوْ إيلِيَاءَ إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّهِمَا فَيَرْكَبُ (ش) هَذَا عَطْفٌ عَلَى الْيَسِيرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَا مَاشِيًا وَلَا رَاكِبًا فَإِنْ نَوَى صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ سَمَّى مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ إيلِيَاءَ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ فِيهِمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّاهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِمَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَافِلَةً، فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْيِ إلَى هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ وَبَيْنَ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُ هُنَا يَرْكَبُ وَهُنَاكَ يَمْشِي فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَشْيَ إلَى الْمَدِينَةِ مَثَلًا لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى مَا فِيهِ قُرْبَةٌ وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فِيهِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ ثَانِيهِمَا أَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ أَنْسَبُ لِعِبَادَةِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَمْشِي فِي الْمَنَاسِكِ وَقُرْبَةُ الصَّلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ إلَّا إحْجَاجُ الرَّجُلِ) أَيْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ هُوَ.
(تَنْبِيهٌ) : إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أُحِجُّهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فَحَنِثَ أَحَجَّهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَأْبَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ بِهِ حَجَّ رَاكِبًا وَحَجَّ بِهِ فَإِنْ أَبَى حَجَّ وَحْدَهُ فَإِنْ قَالَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ النَّذْرُ مِثْلُ الْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ أَنَّ الْعُرْفَ إلَخْ) هَذَا لَا يَنْفَعُ شَيْئًا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا إذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَقَوْلُهُ قَدْ جَاءَتْ فِيهِ السُّنَّةُ أَيْ فَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْعُرْفِ عُرْفُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ السُّنَّةُ.
(قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ) وَأَوْلَى ذَهَابُهُ أَوْ إتْيَانُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ اللُّزُومِ فِيمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فَأَوْلَى غَيْرِهِ وَهَذَا جَوَابُ غَيْرِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَشْيِ.
(قَوْلُهُ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ مَحَلُّ الْقُدْسِ أَيْ بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْمُقَدَّسُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ أَيْ الْمُطَهَّرُ وَتَطْهِيرُهُ خُلُوُّهُ مِنْ الْأَصْنَامِ وَإِبْعَادُهُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ لِاعْتِكَافٍ أَوْ صَلَاةٍ) فِيهِ أَنَّ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ هُوَ الصَّلَاةُ فَالْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُفِيدُ أَنَّهُ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ يُلْزِمُهُ الْمَشْيَ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ) وَسَكَتَ عَنْ الصَّوْمِ وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ وَانْظُرْ لَوْ نَذَرَ صَوْمًا بِمَسْجِدٍ قَرِيبٍ جِدًّا فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ بِمَوْضِعِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ أَصْلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ كَالْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ) يُفَسَّرُ بِمَا فَسَّرَ بِهِ عب الْقَرِيبُ وَهُوَ مَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَقَالَ الْحَطَّابُ هُوَ أَيْ الْقَرِيبُ جِدًّا مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِأَعْمَالِ الْمَطِيِّ وَشَدِّ الرَّحْلِ.
(قَوْلُهُ أَوْ إيلِيَاءَ) هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ أَلِفٍ مَمْدُودَةٍ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ وَلُغَةً ثَالِثَةً بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَالْمَدِّ وَمَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ وَحُكِيَ الْإِيلِيَاءُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ غَرِيبٌ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ بَيْتُ اللَّهِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ بَيْتَ اللَّهِ هُوَ الْمَسْجِدُ لَا الْبَلَدُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَعْنَاهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَافِلَةً) بَالَغَ عَلَى النَّافِلَةِ لِأَنَّهُ حَكَى فِي الشِّفَاءِ فِي النَّافِلَةِ قَوْلَيْنِ أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُقِيمَ هُنَاكَ أَيَّامًا فَيَتَنَفَّلَ فَيَتَضَمَّنَ ذَلِكَ الصَّلَاةَ الْفَرْضَ وَلَعَلَّ جَرَيَانَ الْقَوْلَيْنِ فِي النَّفْلِ لِأَنَّ الْمُضَاعَفَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْفَرْضِ، وَاخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي قَدْرِ الْمُضَاعَفَةِ فِي مَسْجِدِ إيلِيَاءَ فَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ وَفِي أُخْرَى بِخَمْسِينَ أَلْفًا وَفِي أُخْرَى بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَفِي أُخْرَى بِعِشْرِينَ أَلْفًا (قَوْلُهُ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فِيهِ قُرْبَةٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ قُرْبَةٌ لِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَسِيلَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ) حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَدْ وَجَدَ عِبَادَةً فِي الطَّرِيقِ فَيَصِيرُ الْمَشْيُ فِيهَا عِبَادَةً فَرَجَعَ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ فِي الذَّهَابِ لِمَكَّةَ قُرْبَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَمْشِي فِي الْمَنَاسِكِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَمْشِي فِي السَّعْيِ وَفِي الطَّوَافِ