بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَكَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الصَّيْدُ وَعَقْرُهُ الْمُبِيحُ لِأَكْلِهِ هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا فَقَالَ م (بَابُ الذَّكَاةِ) وَهِيَ لُغَةً التَّمَامُ يُقَالُ ذَكَّيْت الذَّبِيحَةَ إذَا أَتْمَمْت ذَبْحَهَا وَالنَّارَ إذَا أَتْمَمْت إيقَادَهَا وَرَجُلٌ ذَكِيٌّ تَامُّ الْفَهْمِ وَالْحِدَّةِ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ هِيَ السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبَاحَةِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ وَالذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالذَّبِيحُ الذَّبِيحَةُ ثَبَتَتْ التَّاءُ لِغَلَبَةِ الِاسْمِيَّةِ وَجُمِعَتْ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا إلَخْ وَانْظُرْ حَدَّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَلَمَّا كَانَتْ الذَّكَاةُ جِنْسًا تَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ذَبْحٌ وَنَحْرٌ فِي إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَعَقْرٌ فِي وَحْشِيٍّ مَعْجُوزٍ عَنْهُ زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَأْثِيرٌ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ كَالرَّمْيِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ أَوْ قَطْعِ الْأَجْنِحَةِ فِي الْجَرَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ ذِي الدَّمِ بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ بِالذَّبْحِ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى النَّحْرِ فِيمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَالْبَقَرِ مُشِيرًا إلَى أَنَّ صِفَةَ الذَّبْحِ أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (قَطْعٌ) أَيْ التَّذْكِيَةُ قَطْعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الذَّكَاةِ]
(بَابُ الذَّكَاةِ) (قَوْلُهُ وَهِيَ لُغَةً التَّمَامُ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّفْسِيرِ الذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ تَمَامُ الشَّيْءِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ذَكَّيْت الْبَعِيرَ وَنَحْوَهُ تَذْكِيَةً وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ (قَوْلُهُ وَالْحِدَّةُ) هِيَ مَا يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ الْغَضَبِ، كَذَا أَفَادَهُ فِي الْمُخْتَارِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ الْعَطْفُ مُغَايِرًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ شَارِحَنَا أَرَادَ بِهَا الْإِدْرَاكَ فَيَكُونُ الْعَطْفُ مُرَادِفًا وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهَا كَمَا هِيَ مَحْذُوفَةٌ فِي شَرْحِ شب (قَوْلُهُ هِيَ السَّبَبُ إلَخْ) أَيْ وَالسَّبَبُ شَامِلٌ لِلْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ ثَبَتَتْ التَّاءُ لِغَلَبَةِ الِاسْمِيَّةِ) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْمِيَّةَ غَلَبَتْ أَوْ أَنَّ الِاسْمِيَّةَ عِلَّةٌ فِي لُحُوقِ التَّاءِ أَيْ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ أَيْ أَنَّ الْوَصْفِيَّةَ بِمَعْنَى ذَاتٍ ثَبَتَ لَهَا الْمَذْبُوحِيَّةُ صَارَتْ غَيْرَ مُرَادَةٍ وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا اللَّفْظُ اسْمًا لِلشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ، وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّك عِنْدَ الْوَصْفِيَّةِ تَذْكُرُ الْمَوْصُوفَ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا وَعِنْدَ الِاسْمِيَّةِ لَا تَذْكُرُهُ أَصْلًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لَا تَلْحَقُهُ التَّاءُ أَيْ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ لَا انْغَلَبَتْ الِاسْمِيَّةُ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ وَجُمِعَتْ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا) أَيْ جُمِعَتْ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا الْمُخْتَلِفَةِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الذَّبِيحَةَ اسْمُ جِنْسٍ لِلْمَذْبُوحِ الصَّادِقِ بِأَيِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا لِأَنَّهَا تَتَنَوَّعُ إلَى مَذْبُوحَةٍ بِالْعَقْرِ وَمَذْبُوحَةٌ بِالنَّحْرِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالذَّبِيحَةِ بِمَعْنَى الْمُذَكَّاةِ الشَّامِلَ وَلَوْ قَالَ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهَا لَصَحَّ وَيَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ مُتَعَلِّقِهَا الَّتِي هِيَ الذَّكَاةُ (قَوْلُهُ جِنْسًا) أَيْ إفْرَادِيًّا وَالذَّبَائِحُ لَقَبٌ لِمَا يَحْرُمُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ أَوْ سَلْبَهَا عَنْهُ وَمَا يُبَاحُ بِهَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ الصَّيْدُ أَيْ بِقَوْلِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ اهـ.
قَوْلُهُ لِعَدَمِ أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُذَكًّى إمَّا لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِمَّا لِأَنَّ التَّذْكِيَةَ فَاسِدَةٌ وَقَوْلُهُ أَوْ سَلَبَهَا عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى مَا كَانَ مُحَرَّمًا مِمَّا لَا تَنْفَعُ فِيهِ وَلَا يَقْبَلُهَا كَالْخِنْزِيرِ وَقَوْلُهُ وَمَا يُبَاحُ بِهَا عُطِفَ عَلَى مَا يُحَرَّمُ وَلَمَّا كَانَ يَقَعُ فِي تَرْجَمَةِ بَعْضِهِمْ الذَّبَائِحُ أُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتَأْثِيرٌ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي الْجُمْلَةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا وَهُوَ رَابِعٌ وَاقْتِصَارُ بَعْضٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ اقْتِصَارٌ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ أَنَّ مَا يَمُوتُ بِهِ عَقْرٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ فِي الْجَرَادِ) مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ كَالرَّمْيِ أَوْ قَطْعِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذِي الدَّمِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (قَوْلُهُ بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) جَوَابٌ لِمَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْجَوَابَ لَمْ يَكُنْ مُتَسَبِّبًا عَنْ الشَّرْطِ بَلْ سَبَبُ الْجَوَابِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ.
(قَوْلُهُ بِاخْتِصَاصِهِ) أَيْ بِسَبَبِ اخْتِصَاصِهِ (قَوْلُهُ بِالْغَنَمِ وَالطَّيْرِ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ أَيْ بِسَبَبِ كَوْنِ الْغَنَمِ وَالطَّيْر مَقْصُورَيْنِ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِ الذَّبْحِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِ مُتَعَلِّقِهِ أَيْ مِنْ غَنَمٍ وَطَيْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ مُشِيرًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ بَدَأَ (قَوْلُهُ إلَى أَنَّ صِفَةَ الذَّبْحِ) أَيْ حَقِيقَةَ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ) أَوَّلُهَا قَوْلُهُ قَطْعُ الثَّانِي قَوْلُهُ تَمَامُ الثَّالِثِ قَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ الرَّابِعِ قَوْلُهُ بِلَا رَفْعِ إلَخْ فِيهِ تَسَمُّحٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَتُهَا إنَّمَا هُوَ الْقَطْعُ الْمُتَعَلِّقُ بِتِلْكَ الْمُتَعَلِّقَاتِ