شَرْحِنَا الْكَبِيرِ.
(ص) وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لِآخِرِ الْحِجَّةِ (ش) أَيْ: وَقْتُ الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ الَّذِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَانَ مَكْرُوهًا مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا شَوَّالٌ وَيَمْتَدُّ زَمَنُ الْإِحْلَالِ مِنْهُ لِآخِرِ الْحِجَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ بَعْضٌ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادُهُ، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَا وَقْتُ التَّحَلُّلِ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، بَلْ بَعْضُهُ وَاَلَّذِي لِآخِرِ الْحِجَّةِ إنَّمَا هِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ لَا وَقْتُ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ.
وَانْظُرْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ، ثُمَّ إنَّ الْأَفْضَلَ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْحِجَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ أَيْضًا، وَنَحْوُهُ لِلشَّافِعِيِّ.
(ص) وَكُرِهَ قَبْلَهُ (ش) يَعْنِي: أَنْ يُكْرَهَ أَنْ يُحْرِمَ مَثَلًا فِي رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ فَعَلَ بِأَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ كَمَا يُكْرَهُ قَبْلَ مَكَانِهِ أَيْ: قَبْلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ الْآتِي لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَنْعَقِدُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَمَكَانِهِ) ، فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهَا وَقْتُ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَالصَّلَاةُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهَا، وَلَا تَنْعَقِدُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ لِلْحَجِّ لَا يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ اتِّصَالُهُ بِأَفْعَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَشَرَعَ فِيهَا فَقَدْ يَفْعَلُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ.
(ص) وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ (ش) أَيْ: وَفِي كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ رَابِغٍ كَمَا عِنْدَ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ لِقَوْلِهِ فِي مَدْخَلِهِ وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ رَابِغٍ، وَهُوَ قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَيَبْتَدِئُونَ الْحَجَّ بِفِعْلٍ مَكْرُوهٍ إلَخْ وَعَدَمُ كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا، وَقَوْلُهُ: (وَصَحَّ) أَيْ: حَيْثُ وَقَعَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ، أَوْ الْمَكَانِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَكِنَّ الصِّحَّةَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ.
(ص) وَلِلْعُمْرَةِ أَبَدًا (ش) أَيْ: وَوَقْتُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ مُفْرَدَةً أَبَدًا فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ، وَلَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَعْمَلُ هُوَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ، وَالنَّاسُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِأَمْرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ لَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ فَاتَهُمَا الْحَجُّ لِإِضْلَالِ الْأَوَّلِ رَاحِلَتَهُ وَلِخَطَأِ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَتَحَلَّلَا مِنْ إحْرَامِهِمَا بِالْحَجِّ وَيَقْضِيَاهُ قَابِلًا وَيَهْدِيَا كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعُمْرَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ السَّنَةُ كُلُّهَا لِلْعُمْرَةِ إلَّا خَمْسَةً: يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَيُوَافِقُهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ.
قَالَ سَنَدٌ: وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (ص) إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ (ش) مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا فَيُمْنَعُ وَيَفْسُدُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ (فَلِتَحَلُّلِهِ) مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ أَيْ: فَرَاغِهِ مِنْهَا مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَجَمِيعِ الرَّمْيِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِتَحَلُّلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَمُرَادُهُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِمَنْ أَخَّرَهُ، وَالرَّمْيُ كُلُّهُ لَا رَمْيُ الْعَقَبَةِ الَّذِي هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ، وَالْإِفَاضَةُ الَّذِي هُوَ الْأَكْبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ: وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ عَطْفٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالطِّيبُ كَذَلِكَ وَلُبْسُ الْمِخْيَطِ كَذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِالصَّيْدِ الِاصْطِيَادُ لَا مِلْكُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ صَيْدٌ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَمْ يَكُنْ حَامِلَهُ لَا يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمَّا رَأَى أَنَّ الصَّيْدَ الْمُطْلَقَ لَقَبٌ عَلَى صَيْدِ الْبَرِّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَقَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ بِمَا يَمْنَعُهُ صِفَةٌ لِلصِّفَةِ، أَوْ حَالٌ وَزَادَ ذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ إحْرَامَ غَيْرِهَا يَبْطُلُ بِمَمْنُوعِهِ كَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَإِحْرَامِ الِاعْتِكَافِ وَإِحْرَامِ الصَّوْمِ، وَمُرَادُهُ بِالْبُطْلَانِ قَطْعُهَا أَيْ: لَا يَجِبُ قَطْعُهَا بِحُصُولِ مَمْنُوعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَمْنُوعُ مِمَّا يُفْسِدُ الْحَجَّ كَالْوَطْءِ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَكَلُّمٍ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقِيلَ مُنْتَهَاهُ عَشْرُ الْحِجَّةِ وَقِيلَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ تَعَلُّقُ الدَّمِ أَيْ: دَمُ الْإِفَاضَةِ إذَا أَخَّرَهُ لِآخِرِ الْحِجَّةِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا أَخَّرَهُ لِلْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مُسَامَحَةٌ) أَجَابَ اللَّقَانِيِّ بِقَوْلِهِ: لِلْحِجَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْإِحْرَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ التَّعَلُّقِ بِضَمِيرِ الْمَصْدَرِ وَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَذْفُ عَاطِفٍ وَمَعْطُوفٍ مَعًا أَيْ: وَوَقْتُ الْإِحْرَامِ، وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ مِنْ أَرْكَانٍ وَغَيْرِهَا الْمَطْلُوبِ إيقَاعُهَا فِيهِ شَرْعًا شَوَّالٌ لِآخِرِ الْحِجَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: لِآخِرِ الْحِجَّةِ لَا تَسْمَحُ فِيهِ وَلَا تَجُوزُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ النَّحْوِ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ وَالْوَاوُ إذْ لَا لَبْسَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعَ مَا عُطِفَتْ
(قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ) وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) أَيْ: زَمَنُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، أَوْ الْحَجُّ ذُو أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ) أَقُولُ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالطُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَصْلٌ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَيَرِدُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَلَوْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ لَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْعِبَادَةِ فَمُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَيَجِبُ اتِّصَالُهُ بِأَفْعَالِهَا أَيْ: فَلَمْ يَسُغْ الْإِحْرَامُ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ) وَهُوَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ شَيْخِ الْمُصَنِّفِ عَنْ شَيْخِهِ الزَّوَاوِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا) الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ
(قَوْلُهُ: فِي أَيِّ وَقْتٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْوَقْتِ وَلَا يَصِحُّ فَيُجَابُ بِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ، وَالْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَحَلَّلَا) أَيْ: بِفِعْلِ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ) فِيهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ لَا يَتَقَيَّدُ حَالُهُ بِأَيَّامِهَا