الِاعْتِكَافِ جُمْلَةً: كَالْإِغْمَاءِ، وَالْجُنُونِ، أَوْ الصَّوْمِ فَقَطْ كَالْمَرَضِ الْخَفِيفِ وَالْحَيْضِ وَالْعِيدِ أَوْ فِطْرِ نِسْيَانٍ، فَإِنْ قُلْت: الْحَيْضُ مَانِعٌ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدُ فَكَيْفَ جَعَلَهُ مِمَّا يَمْنَعُ الصَّوْمَ فَقَطْ، قُلْت: مُرَادُهُ بِالْحَيْضِ هُنَا الْحَيْضُ الَّذِي طَهُرَتْ مِنْهُ نَهَارًا، وَهُوَ مِمَّا يَمْنَعُ الصَّوْمَ فَقَطْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ لِمُعْتَكِفِهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْحَيْضِ إذْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ، وَانْظُرْ تَفْصِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ (ص) وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ (ش) أَيْ: وَخَرَجَ مَنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ إلَّا الْمُفْطِرَ نِسْيَانًا إلَى زَوَالِهَا لَكِنْ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَجَوَازًا فِي الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ:، وَإِنْ لِحَائِضٍ نَاسِيَةٍ فَتَكَلَّمَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى زَوَالِهَا بِقَوْلِهِ وَبَنَى بِزَوَالِ إغْمَاءٍ إلَخْ، وَعَلَى طُرُوِّهَا بِقَوْلِهِ: وَخَرَجَ إلَخْ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَخَرَجَ إلَى آخِرِهِ لِلِاسْتِئْنَافِ لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ وَإِذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ مَا الْحُكْمُ؟ فَقَالَ: وَخَرَجَ إلَخْ.

(ص) ، وَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ (ش) أَيْ: وَإِنْ أَخَّرَ الْبِنَاءَ بِعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْمَسْجِدِ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ فَوْرًا وَلَوْ لِعُذْرٍ مِنْ نِسْيَانٍ، أَوْ إكْرَاهٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَهُ مَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ لِكَوْنِ الْوَقْتِ وَقْتَ خَوْفٍ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: (إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ) إلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَوْ زَالَ عُذْرُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ، أَوْ يَوْمَهُ وَأَخَّرَ رُجُوعَهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى مَضَى يَوْمُ الْعِيدِ وَتَالِيَاهُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَإِنَّ اعْتِكَافَهُ لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ، أَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ وَأَخَّرَ كُلٌّ الرُّجُوعَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّ اعْتِكَافَهُ يَبْطُلُ لِصِحَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِغَيْرِهِمَا، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ صَوْمَهُ لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ.

(ص) ، وَإِنْ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُفِدْهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إذَا اشْتَرَطَ مَا يُنَافِي فِي اعْتِكَافِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ يُوجِبُ الْقَضَاءَ لَا أَقْضِي فَإِنَّ شَرْطَهُ لَا يُفِيدُهُ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُهُ عَلَى مُقْتَضَى الِاعْتِكَافِ الْمَشْرُوعِ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ مُنَافِيهِ لَغْوٌ اهـ.

، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثِ وَهِيَ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الدِّعَامَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ سَمَاعًا، وَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي الْحَجَّةِ وَقِيلَ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ وَقِيلَ: الِاسْمُ بِهِمَا الْجَوْهَرِيُّ الْحَجُّ الْقَصْدُ وَرَجُلٌ مَحْجُوجٌ أَيْ: مَقْصُودٌ وَهَذَا الْأَصْلُ ثَمَّ تُعُورِفَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْقَصْدِ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ لِلنُّسُكِ تَقُولُ: حَجَجْت الْبَيْتَ أَحُجُّهُ حَجَاجًا فَأَنَا حَاجٌّ وَرُبَّمَا أَظْهَرُوا التَّضْعِيفَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ قَالَ الرَّاجِزُ

بِكُلِّ شَيْخٍ عَامِرٍ أَوْ حَاجِجٍ

، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَلَمْ تُضَفْ بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَكْثُرُ الرِّيَاءُ فِيهِمَا جِدًّا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِقْرَاءُ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُجَّاجِ لَا يَكَادُ يَسْمَعُ حَدِيثًا فِي شَيْءٍ إلَّا ذَكَرَ لَهُ مَا اتَّفَقَ لَهُ فِي حَجِّهِ، فَلَمَّا كَانَا مَظِنَّةَ الرِّيَاءِ قِيلَ فِيهِمَا: لِلَّهِ اعْتِنَاءً بِالْإِخْلَاصِ وَالْحَجُّ فِي الشَّرْعِ مَا أَشَارَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الَّذِي طَهُرَتْ مِنْهُ نَهَارًا) أَيْ: وَلَمْ يَسْتَرْسِلْ جَمِيعَ النَّهَارِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ صَائِمَةٍ فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْعَ الصَّوْمِ فَقَطْ لَا الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ لِمُعْتَكَفِهَا) هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: جَوَازٌ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ الْحَيْضِ) أَيْ: الشَّامِلِ لِلْمُسْتَرْسِلِ جَمِيعَ النَّهَارِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ) الْوُجُوبُ فِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ مُتَعَلِّقٌ بِوَلِيِّهِ (قَوْلُهُ: وَجَوَازُ إلَخْ) رَدَّهُ عج بِأَنَّهُ يَجِبُ الْبَقَاءُ وَيَمْنَعُ الْخُرُوجَ كَمَا فِي الرَّجْرَاجِيِّ وَالْمَوَّاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّجْرَاجِيِّ يَجِبُ بَقَاؤُهُ لَيْلَتَهُ أَيْ: إذَا كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ بَعْدَ الْعِيدِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَمَكَّنَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ اهـ.

(أَقُولُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ يُفْرَضُ فِي مَانِعِ الِاعْتِكَافِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ اعْتِكَافَهُ يَبْطُلُ لِصِحَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ فِي الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِكَافِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَطَ إلَخْ) أَيْ: قَبْلَ دُخُولِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ: لَمْ يُفِدْهُ شَرْطُهُ وَاعْتِكَافُهُ صَحِيحٌ، وَمِثْلُ اشْتِرَاطِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ اشْتِرَاطُ غَيْرِهِ كَعَدَمِ صَوْمٍ، أَوْ اعْتِكَافِ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَبْطُلَانِ مَعًا وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ إنْ اشْتَرَطَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ بَطَلَا مَعًا، وَإِنْ اشْتَرَطَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الِاعْتِكَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَاب أَحْكَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهِمَا]

(بَابُ الْحَجِّ) (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ حَجَّ قِيَاسُهُ الْفَتْحُ إلَّا إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ هُوَ الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِأَنَّهَا دِعَامَةٌ وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ الْكَسْرُ أَكْثَرَ سَمَاعًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ) أَيْ: فَيُرَادُ مِنْ الْحَجِّ بِالْفَتْحِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ أَيْ: الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْحَرَكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَقَوْلُهُ: وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ أَيْ: فَالْكَسْرُ اسْمٌ لِلْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ أَيْ: الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ: الْقَصْدُ) وَقِيلَ: بِقَيْدِ التَّكْرَارِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمَاتِ وَسَنَدٌ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْخَلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ لِتَكْرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ لِعَوْدِهِمْ إلَى الْبَيْتِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ وَلِلتَّوْدِيعِ، أَوْ لِعَوْدِهِمْ إلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُعُورِفَ) أَيْ: فِي عُرْفِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: حِجَاجًا) الَّذِي فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَحُجُّهُ حَجًّا بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ مَا بَعْدَ حَجًّا وَقَوْلُهُ: عَامِرٌ أَيْ: مُعْتَمِرٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015