أَنَّ الصَّوْمَ يَثْبُتُ بِمَا تَقَدَّمَ لَا بِقَوْلِ مُنَجِّمٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَقِّهِ هُوَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ حَصَرَ الثُّبُوتَ فِي: الرُّؤْيَةِ، أَوْ الشَّهَادَةِ، أَوْ إكْمَالِ الْعَدَدِ فَلَمْ يُخْبِرْ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ الْمُنَجِّمُ مَثَلًا: الشَّهْرُ نَاقِصٌ أَوْ زَائِدٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وَلَا إلَى حِسَابِهِ، وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ أَمْ لَا

. (ص) وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ، وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ لَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الظَّاهِرِ، وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِئَلَّا يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْأَذَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِقَادِهِ فِي نَفْسِهِ عَدَمُ الظُّهُورِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الظُّهُورِ، وَأَمَّا الْفِطْرُ بِالنِّيَّةِ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَصَوْمُ الْعِيدِ حَرَامٌ.

(ص) إلَّا بِمُبِيحٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ الْفِطْرِ لِلْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ مِنْ: مَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ سَفَرٍ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِفْطَارُ ظَاهِرًا، كَمَا يَجِبُ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْطَرَ لِلْعُذْرِ

. (ص) وَفِي تَلْفِيقِ شَاهِدٍ أَوَّلَهُ لِآخَرَ آخِرَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَشَهِدَ عَدْلٌ آخَرُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَهَلْ تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ فِي الْأَفْعَالِ؟ فَإِنْ كَانَ رُؤْيَةُ الثَّانِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ فَشَهَادَتُهُ مُصَدَّقَةٌ لِلْأَوَّلِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ بَعْدَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَقَدْ اتَّفَقَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْهُ فَيَلْزَمُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُفْطِرُونَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ لَا تُوجِبُ كَوْنَ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ شَوَّالٍ لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّهْرِ كَامِلًا، وَإِنْ شَهِدَ الثَّانِي بَعْدَ ثَلَاثِينَ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَجِبُ الْفِطْرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوْ لَا تُلَفَّقُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِرُؤْيَةِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الصَّوْمُ شَرْعًا؛ إذْ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي الرُّؤْيَةِ كَالْعَدَمِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّلْفِيقِ

. (ص) وَلُزُومُهُ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُخَالِفَ إذَا حَكَمَ بِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ بِهَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ إفْتَاءٌ لَا حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ مِنْ: صَلَاةٍ، وَنَحْوِهَا فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ صَلَاةٍ وَلَا بُطْلَانِهَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ حُقُوقَ الْعِبَادِ وَجَزَمَ بِهِ تِلْمِيذُهُ الْقَرَافِيُّ وَتَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَسَنَدٌ وَقَوْلُهُ: تَرَدَّدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ

. (ص) وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا لِلْقَابِلَةِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْهِلَالَ إذَا رَآهُ النَّاسُ فِي النَّهَارِ فَإِنَّهُ يَكُونُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْحَاسِبُ الَّذِي يَحْسُبُ قَوْسَ الْهِلَالِ وَنُورَهُ، وَالْكَاهِنُ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَالْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ، أَوْ الْمَسْرُوقِ، أَوْ الضَّالِّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: لَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الظَّاهِرِ) قَالَ فِي ك: الْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ مَا قَابَلَ النِّيَّةَ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ اخْتَفَى عَنْ النَّاسِ بِدَلِيلِ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ اللَّهِ كَذَلِكَ) أَيْ: بِحَسَبِ مَا يُقَدَّرُ مِنْ الظُّهُورِ عِنْدَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: وَصَوْمُ الْعِيدِ حَرَامٌ) أَيْ: تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِيهِ حَرَامٌ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بِمُبِيحٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيمَا قَبْلَهُ أَيْ: وَلَا بُدَّ أَنْ تُقْبَلَ دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ الْمُبِيحِ وَقَوْلُهُ: أَوْ سَفَرٍ أَيْ: وَلَوْ أَنْشَأَهُ لِقَصْدِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الرَّائِي فَلَا يَجُوزُ لَهُ إنْشَاؤُهُ لِقَصْدِ فِطْرِهِ فَإِنْ تَلَبَّسَ بِهِ أُبِيحَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَجَبَ الْإِفْطَارُ ظَاهِرًا) فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَرَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ صَوَابَهُ الْجَوَازُ قَائِلًا؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَجِبُ، بَلْ لَوْ أَمْسَكَ عَنْ الْأَكْلِ يَوْمَ الْعِيدِ فَلَا يَحْرُمُ إنْ كَانَ قَدْ بَيَّتَ الْفِطْرَ وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ فَتَكُونُ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ جَوَازِ الْأَكْلِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا وُجُوبِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : مِثْلُ الْمُبِيحِ فِطْرُ الرَّائِي فِي وَقْتٍ يَلْتَبِسُ بِالْغُرُوبِ، أَوْ الْفَجْرِ بِحَيْثُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ فِطْرَهُ لِظَنِّ ذَلِكَ لَقُبِلَ مِنْهُ، وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ نَسِيَ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَوْ لَا إذْ قَبُولُ قَوْلِهِ لَا يُسَوِّغُ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِطْرِ

(قَوْلُهُ: أَوَّلَهُ إلَخْ) أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: بِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَإِطْلَاقُ الْآخِرِ عَلَى مُجَاوِرِهِ وَهُوَ هِلَالُ شَوَّالٍ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ

(قَوْلُهُ: بِشَاهِدٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا كَأَمَةٍ وَعَبْدٍ مَقْبُولَتَيْنِ عِنْدَ حَنْبَلِيٍّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَّفِقَ عِنْدَنَا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الصَّوْمِ بِحُكْمِهِ بِغَيْرِ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ) أَيْ: مَحَلًّا يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ إفْتَاءٌ لَا حُكْمٌ) قَالَ اللَّقَانِيِّ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ: مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيهَا بِصِحَّةٍ وَلَا بُطْلَانٍ، وَانْظُرْ إذَا قِيلَ بِلُزُومِ الصَّوْمِ فِي الثَّانِيَةِ فَصَامُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ وَحَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالْفِطْرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ الْفِطْرُ.

(تَنْبِيهٌ) : أَوْرَدَ عَلَى الْقَرَافِيِّ فِي قَوْلِهِ الْحُكْمُ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ الْقَضَاءَ بِتَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ تَعَبُّدٌ وَقَالَ الرَّصَّاعُ فِي شَرْحِ ابْنِ عَرَفَةَ لِلصَّوْمِ إنَّ كُلَّ مَا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهِ كَانَ عِبَادَةً وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا: إذَا تَنَازَعَ الزَّوْجُ مَعَ عَصَبَةِ الْمَيِّتَةِ فِي مَحَلِّ الدَّفْنِ قَالَ فِي الطِّرَازِ يُقْضَى لِأَهْلِهَا (أَقُولُ) : وَأَيْضًا هَذَا يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَعَمَّ إنْ نَقَلَ بِهِمَا عَنْهُمَا أَيْ: عَنْ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ إلَخْ فِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ بِثُبُوتِ الشَّهْرِ لَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ثُبُوتِ الشَّهْرِ وُجُوبُ الصَّوْمِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلُزُومُهُ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ أَنَّ حُكْمَ الْمُخَالِفِ بِأَكْثَرَ مِنْ شَاهِدٍ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ، وَظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْقَرَافِيِّ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ هُنَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْتَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ فُتْيَا مَعَ أَنَّ الْمُخَالِفَ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مُعْتَبَرٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُدْرِكَ هَذَا الْحُكْمِ لَمَّا كَانَ ضَعِيفًا لِكَوْنِهِ حَكَمًا فِي الْعِبَادَاتِ لَمْ يُعْتَبَرْ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ: تَرَدَّدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015