فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَنَافِيًا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إخْرَاجُهَا قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى الْمُصَلَّى؛ لِيَأْكُلَ مِنْهَا الْفَقِيرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَبْلَ غُدُوِّهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ السُّؤَالِ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] أَيْ: يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ يَغْدُو ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى إلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى
(ص) وَمِنْ قُوتِهِ الْأَحْسَنِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ كَانَ يَقْتَاتُ أَحْسَنَ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ الْأَحْسَنِ، فَإِذَا كَانَ غَالِبُ الْقُوتِ الشَّعِيرَ وَهُوَ يَقْتَاتُ الْقَمْحَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ فَقَوْلُهُ: الْأَحْسَنِ أَيْ: مِنْ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَالِبِ قُوتِهِمْ
. (ص) وَغَرْبَلَةُ الْقَمْحِ إلَّا الْغَلَثَ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ غَرْبَلَةُ الْقَمْحِ الَّذِي يُخْرِجُهُ زَكَاةً عَنْ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَمْحُ غَلَثًا فَتَجِبُ غَرْبَلَتُهُ حَيْثُ كَانَ غَلَثُهُ يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، وَيُسْتَحَبُّ حَيْثُ كَانَ غَلَثُهُ الثُّلُثَ فَمَا قَارَبَهُ بِيَسِيرٍ كَمَا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْقَمْحِ بَلْ كُلُّ مُخْرَجٍ كَذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوَّسُ الْفَارِغُ بِخِلَافِ الْقَدِيمِ الْمُتَغَيِّرِ الطَّعْمُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
(ص) وَدَفْعُهَا لِزَوَالِ فَقْرٍ وَرِقٍّ يَوْمَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ زَالَ فَقْرُهُ يَوْمَ الْعِيدِ أَنْ يُخْرِجَ الْفِطْرَةَ وَإِنْ زَالَ فَقْرُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَنْ زَالَ رِقُّهُ بِأَنْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَقَوْلُهُ: وَدَفْعُهَا إلَخْ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ وَقَوْلُهُ: " لِزَوَالِ " أَيْ: لِأَجْلِ زَوَالِ فَقْرِهِ أَوْ رِقِّهِ فَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْتَقِ - بِالْفَتْحِ - وَنُدِبَتْ عَلَى سَيِّدِهِ
. (ص) وَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ دَفْعُهَا لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْوُجُوبُ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ حَمَلَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهَا لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ مَشَقَّةَ دَفْعِ الْمَالِ عَلَى النَّفْسِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ، وَلَوْ أَخَذَهَا الْفَقِيرُ ثُمَّ اسْتَغْنَى بِهَا فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا لَكِنْ إنْ مَلَكَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِخْرَاجُ
. (ص) وَعَدَمُ زِيَادَةٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ الصَّاعُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْ: الزَّائِدُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَا ثَوَابَ فِيهِ قِيلَ لِمَالِكٍ: أَيُؤَدِّي بِالْمُدِّ الْأَكْبَرِ قَالَ لَا بَلْ بِمُدِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ أَرَادَ خَيْرًا فَعَلَى حِدَةٍ الْقَرَافِيُّ سَدًّا لِتَغَيُّرِ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ
. (ص) وَإِخْرَاجُ الْمُسَافِرِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ إخْرَاجُ الْمُسَافِرِ أَيْ: يَتَوَلَّى إخْرَاجَهَا عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحَلِّهِ وَلَا يُوَكِّلُهُ إلَى أَهْلِهِ لِقَوْلِهَا وَيُؤَدِّيهَا الْمُسَافِرُ حَيْثُ هُوَ، وَإِنْ أَدَّاهَا عَنْهُ أَهْلُهُ أَجْزَأَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَجَازَ إخْرَاجُ أَهْلِهِ عَنْهُ) إذَا تَرَكَ عِنْدَهُمْ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ، وَوَثِقَ بِهِمْ وَأَوْصَاهُمْ زَادَ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِفَقْدِ النِّيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ أَهْلِهِ أَخْرَجَ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ، وَإِنْ أَخْرَجُوا عَنْهُ أَخْرَجُوا مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَأْكُلُهُ انْتَهَى
. (ص) وَدَفْعُ صَاعٍ لِمَسَاكِينَ وَآصُعٍ لِوَاحِدٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ صَاعٍ وَاحِدٍ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ لِجَمَاعَةِ مَسَاكِينَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ دَفْعُ آصُعَ مِنْهَا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ
. (ص) وَمِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ (ش) عَطْفٌ عَلَى صَاعٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَدَفْعُ صَاعٍ أَيْ: وَجَازَ دَفْعُ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ أَيْ: مِنْ قُوتِهِ الْآخَرِ وَهُوَ مُسَاوٍ لِقُوتِ الْبَلَدِ، كَمَا إذَا كَانَ لَهُ قُوتَانِ أَحَدُهُمَا: مُسَاوٍ لِقُوتِ الْبَلَدِ، وَالْآخَرُ أَحْسَنُ لَا الْأَدْوَنُ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْأَغْلَبِ وَلَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ إلَّا لِعَجْزٍ عَنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْأَغْلَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُؤَدِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى، فَإِنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَوَاسِعٌ اهـ.
وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِأَدَائِهَا قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى» ، وَيُوَافِقُهُ نَصُّ الْمَوَّاقِ وَنَصُّهُ فِيهَا اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] إلَى فَصَلَّى أَيْ: مَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، ثُمَّ غَدَا ذَاكِرًا لِلَّهِ إلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إخْرَاجُهَا إلَخْ) هَذَا مِمَّا يُقَوِّي مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَيْ، يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ.
(تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقٌّ فِي الْوَقْتِ الْمَنْدُوبِ فَعَزْلُهَا كَإِخْرَاجِهَا.
(قَوْلُهُ: فَمَا قَارَبَهُ بِيَسِيرٍ) لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَقَوْلُهُ: كَمَا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ أَيْ: أُرِيدَ أَنْ يُقَسَّمَ شَيْءٌ مِنْ الْقَمْحِ فِيهِ غَلَثٌ فَيَجْرِي فِيهِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ) أَيْ: فَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلنَّقْلِ وَإِلَّا فَقَدْ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ بِتَقْرِيرٍ آخَرَ وَنَصُّهُ أَيْ: وَنُدِبَ غَرْبَلَةُ الْقَمْحِ الَّذِي يُخْرِجُهُ زَكَاةً عَنْ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَمْحُ غَلَثًا فَيَجِبُ غَرْبَلَتُهُ حَيْثُ كَانَ غَلَثُهُ يَنْقُصُهُ مِنْ النِّصَابِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالثُّلُثِ وَلَا بِغَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِزَوَالِ فَقْرٍ) وَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ إخْرَاجُهَا عَنْهُ وَيُلْغِزُ بِهَا فَيُقَالُ زَكَاةُ فِطْرٍ أُخْرِجَتْ عَنْ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ بِالْفَجْرِ (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَى الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ بِالْفَجْرِ
(قَوْلُهُ: أَيْ، الزَّائِدُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ) أَيْ: حَيْثُ تَحَقَّقَ الزَّائِدُ لَا إنْ شَكَّ، (قَوْلُهُ: أَيُؤَدِّي بِالْمُدِّ الْأَكْبَرِ) الَّذِي هُوَ مُدُّ هِشَامٍ وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ؟
(قَوْلُهُ: إخْرَاجُ الْمُسَافِرِ) فِي الْحَالَةِ الَّتِي يُخْرِجُ عَنْهُ أَهْلُهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ، وَإِنَّمَا نُدِبَ الْإِخْرَاجُ لِلِاحْتِيَاطِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُخْرِجَ أَهْلُهُ عَنْهُ، (قَوْلُهُ: إذَا تَرَكَ عِنْدَهُمْ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ) لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ حَيْثُ أَوْصَاهُمْ وَوَثِقَ بِهِمْ يَكْفِي (قَوْلُهُ: أَخْرَجَ مِنْ الصِّنْفِ إلَخْ) ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُخْرِجُ - بِالْكَسْرِ - صِنْفَ مَا يَأْكُلُهُ الْمُخْرَجُ عَنْهُ أَخَّرَ الْإِخْرَاجَ حَتَّى يَعْلَمَ، كَذَا يَنْبَغِي.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ) بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: أَيْ: وَجَازَ دَفْعُ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ: وَجَازَ الدَّفْعُ مِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِ الْأَدْوَنِ إلَّا لِعَجْزٍ)