وَإِلَّا دِفْنُ الْمُصَالِحِينَ فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ دِفْنُ أَرْضِ الْمُصَالِحِينَ، وَلَوْ كَانَ الدَّافِنُ غَيْرَهُمْ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لِرَبِّ الدَّارِ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْوَاجِدَ لَا إنْ كَانَ غَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ لِرَبِّهَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ. (ص) وَدِفْنُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لُقَطَةً (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَا دَفَنَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لِعَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ تُعْرَفُ عَلَى سُنَّتِهَا وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: دِفْنُ فَلَوْ قَالَ وَمَالُ مُسْلِمٍ. . . إلَخْ لَشَمِلَ غَيْرَ الْمَدْفُونِ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَدْفُونِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ رِكَازٌ
. (ص) وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ كَعَنْبَرٍ فَلِوَاجِدِهِ بِلَا تَخْمِيسٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ كَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَاجِدِهِ وَلَا يُخَمَّسُ فَلَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ فَبَادَرَ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ كَالصَّيْدِ يَمْلِكُهُ الْمُبَادِرُ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ كَعَنْبَرٍ مِمَّا لَيْسَ أَصْلُهُ مِلْكَ أَحَدٍ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِجَاهِلِيٍّ، أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ رِكَازٌ، وَإِنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لُقَطَةٌ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا قَصَدَ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ وَمَا تَجِبُ فِيهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ تَجِبُ لَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ
(فَصْلٌ) وَمَصْرِفُهَا فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ وَهُوَ أَحْوَجُ
(ش) مَصْرِفُ اسْمُ مَكَان لَا مَصْدَرٌ لِأَنَّ الْأَصْنَافَ اسْمُ مَحَلِّ الزَّكَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَقِيرٌ إلَخْ. وَفِي كَلَامِهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ اللَّامَ الْوَاقِعَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَخْ لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالْمِلْكِ، وَإِلَّا لَكَانَ يُشْتَرَطُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ وَإِنَّمَا كَانَ الْمِسْكِينُ أَحْوَجَ مِنْ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَهُ بُلْغَةٌ لَا تَكْفِيهِ لِعَيْشِ عَامِهِ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَكْسُهُ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَكُلُّ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَعَ الْجَلَّابِ عَلَى تَرَادُفِهِمَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ طَلَبَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَلَا تُضَيِّعْ زَمَانَك فِي ذَلِكَ، إذْ كِلَاهُمَا يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ اهـ، وَلَا يَشْكُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] حَيْثُ أَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَسَاكِينُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَلَا طَاقَةَ لَهُمْ بِدَفْعِ الْمَلِكِ عَنْ غَصْبِ سَفِينَتِهِمْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْغِنَى، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا أُجَرَاءَ فِي السَّفِينَةِ
(ص) وَصُدِّقَا إلَّا لِرِيبَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَّا لِرِيبَةٍ بِأَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُخَالِفُ مَا يَدَّعِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا فَأَرَادَ الْأَخْذَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَوْضِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى) رَدَّ ذَلِكَ مُحَشِّي تت بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ الشَّيْخَ وَأَبَا سَعِيدٍ وَقَوْلُهُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى هُوَ تَأْوِيلُ ابْنِ مُحْرِزٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ قَالَ مُحَشِّي تت وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ ح عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِهَذَا التَّعْقِيبِ وَجَعْلُ كَلَامِهِ خِلَافَ مَا تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأُمِّ مُحْتَمَلٌ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَلَيْسَ تَأْوِيلُ ابْنِ مُحْرِزٍ وَعَبْدِ الْحَقِّ بِأَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ الشَّيْخِ وَأَبِي سَعِيدٍ حَتَّى يَجِبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: تُعْرَفُ عَلَى سُنَّتِهَا) لَكِنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ انْقِرَاضُ صَاحِبِهَا، أَوْ وَرَثَتِهِ أَنْ تَكُونَ كَمَالٍ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ فَمَوْضِعُهُ بَيْتُ الْمَالِ
. (قَوْلُهُ: وَمَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (قَوْلُهُ: كَعَنْبَرٍ) قَالَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ فَوَقَعَ إلَى جَزِيرَةٍ فَنَظَرَ إلَى شَجَرَةٍ مِثْلُ عِتْقِ الشَّاةِ وَإِذَا تَمْرُهَا عَنْبَرٌ قَالَ فَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَكْبَرَ فَنَأْخُذَهُ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَأَلْقَتْهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَبْتَلِعُهُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيِّنٌ فَإِذَا ابْتَلَعَتْهُ قَلَّمَا تَسْلَمُ إلَّا قَتَلَهَا الْحَرَارَةُ الَّتِي فِيهِ فَإِذَا أَخَذَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ وَجَدَهُ فِي بَطْنِهَا فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ ثَمَرَةٌ نَبَتَتْ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ: فَلِوَاجِدِهِ) أَيْ آخِذِهِ لَا رَائِيهِ قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْيَدِ
(قَوْلُهُ: مِنْ أَجْزَاءِ الزَّكَاةِ إلَخْ) أَيْ: مِنْ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ مِنْ رُبُعِ الْعُشْرِ وَالْعُشْرِ وَنِصْفِهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَجْزَاءِ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ مَجَازُ اسْتِعَارَةٍ (قَوْلُهُ: وَمَا تَجِبُ فِيهِ) أَيْ: الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ، أَيْ: وَهُوَ أَرْبَعُونَ فِي الْغَنَمِ وَخَمْسَةٌ فِي الْإِبِلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحْوَجُ) أَحْوَجُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ احْتَاجَ فَهُوَ شَاذٌّ قِيَاسًا لَا اسْتِعْمَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْنَى إلَّا مِنْ ثُلَاثِيٍّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَصَّلَ إلَى بِنَائِهِ مِنْ الْمَزِيدِ بِأَشَدَّ وَيَقُولُ: وَهُوَ أَشَدُّ حَاجَةً (قَوْلُهُ: لَا مَصْدَرٌ) أَيْ: وَلَا اسْمُ زَمَانٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَكَانَ إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ الْإِعْطَاءُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: بُلْغَةٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ مَا يَتَبَلَّغُ بِهِ مِنْ الْعَيْشِ وَلَا يَفْضُلُ (قَوْلُهُ: وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ) أَيْ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إلَى التَّوَاضُعِ وَإِلَى اسْتِكَانَةِ الْقَلْبِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الْجَبَّارِينَ، لَا الْمَسْكَنَةَ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْفَقْرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ لَا لِلْمَسَاكِينِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالصَّقَلِّيِّ) هُوَ ابْنُ يُونُسَ (قَوْلُهُ: تَرَادُفِهِمَا) أَيْ: بِأَنْ يُرَادَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمُحْتَاجُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْكِلُ إلَخْ) قَدْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ مَنْ قَالَ بِعَكْسِ الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَسَاكِينُ إلَخْ) وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْجَرَةً لَهُمْ كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ دَارُ فُلَانٍ إذَا كَانَ سَاكِنَهَا وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّوْا مَسَاكِينَ عَلَى جِهَةِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعْطَافِ، وَيَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنْ يَخْتَارَ لِصَدَقَتِهِ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ، فَإِنَّ سَدَّ خَلَّتِهِمْ أَوْلَى مِنْ سَدِّ خَلَّةِ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْكَنَةَ) أَيْ: أَوْ الْمَسْكَنَةَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ) أَيْ:، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، وَهَلْ يَكْفِي فِيهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي دَعْوَى الْمَدِينِ الْعُدْمَ