يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ وَيَبْقَى نَدْبُهُ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ كَجَارٍ وَقَرِيبٍ وَصَدِيقٍ أَوْ مِمَّنْ تُرْجَى بَرَكَةُ مَشْهُودِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا، فَإِنْ عُدِمَ الْأَوَّلُ بِأَنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا الْغَيْرُ تَعَيَّنَتْ، أَوْ عُدِمَ الثَّانِي بِوَجْهَيْهِ كَانَ النَّفَلُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ - أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ - أَفْضَلَ، وَخَصَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْجِنَازَةِ. وَقَالَ ق: أَحَبُّ أَيْ أَفْضَلُ أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الصَّلَاةُ شَرَعَ فِيمَا يَلِيهِ رُتْبَةً، وَهُوَ الزَّكَاةُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِفَاصِلٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقَعَا فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا هَكَذَا وَهِيَ لُغَةً النُّمُوُّ يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَطَابَ وَحَسُنَ وَالْبَرَكَةُ زَكَتْ الْبُقْعَةُ إذَا بُورِكَ فِيهَا وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ فُلَانٌ زَاكٍ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَسُمِّيَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تُنْقِصُ الْمَالَ حِسًّا لِنُمُوِّهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ اللَّهِ، وَشَرْعًا اسْمًا جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا، وَمَصْدَرًا إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ. . . إلَخْ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمُتَعَلِّقَاتُ الزَّكَاةِ شَرْعًا سِتَّةٌ الْمَاشِيَةُ وَالْحَرْثُ وَالنَّقْدَانِ وَالتِّجَارَةُ وَالْمَعَادِنُ وَالْفِطْرُ وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ كَابْنِ شَاسٍ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ عَلَى النَّقْدِ عَكْسَ تَرْتِيبِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ لِشَرَفِ مَا يَنْمُو بِنَفْسِهِ وَقَدَّمَ الْحَيَوَانَ لِشَرَفِهِ عَلَى الْجَمَادِ فَقَالَ (بَابٌ تَجِبُ زَكَاةُ نِصَابِ النَّعَمِ) (ش) هَذَا فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: كُلُّ نِصَابٍ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعَمِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَزَكَاةُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلَمْ يَبْنِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَاهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَامَ بِهَا أَيْ: فَرَغَ مِنْهَا. يُشْكِلُ كَيْفَ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّ تَكْرَارَهَا مَكْرُوهٌ؟ وَبِهِ يَسْقُطُ مَا يُقَالُ أَيْضًا: كَيْفَ يَكُونُ النَّفَلُ أَحَبَّ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ سُنَّتِهَا؟ (قَوْلُهُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ) أَيْ: الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ سَالِمًا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ فَيُفِيدُ تَرْجِيحَهُ. وَقَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ جَارًا أَوْ صَالِحًا وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ جَارًا أَوْ صَالِحًا وَذَلِكَ لِأَنَّ سِيَاقَهُ فِيمَا إذَا عُدِمَ الثَّانِي بِوَجْهَيْهِ.
[بَابٌ تَجِبُ زَكَاةُ نِصَابِ النَّعَمِ]
(بَابُ الزَّكَاةِ) (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) أَيْ دَالُّ الْإِيمَانِ وَهُوَ الشَّهَادَتَانِ (قَوْلُهُ إذَا نَمَا وَطَابَ وَحَسُنَ) عَطْفُ الطِّيبِ وَالْحُسْنِ عَلَى النُّمُوِّ مِنْ عَطْفِ الرَّدِيفِ عَلَى مُرَادِفِهِ فَلَا يُقَالُ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ النُّمُوُّ وَالطِّيبُ وَالْحُسْنُ. (وَأَقُولُ) وَأَرَادَ بِالنُّمُوِّ مَا يَشْمَلُ الْعِظَمَ وَالْحُسْنَ وَقَوْلُهُ: إذَا بُورِكَ فِيهَا أَيْ وَقَعَتْ الْبَرَكَةُ فِيهَا وَلَا تَقِلُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ أَوْقَعَ الْبَرَكَةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ فَاعِلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِهِ لَا تَكُونُ الْبَرَكَةُ فَاعِلًا وَالْبَرَكَةُ فِي الْبُقْعَةِ تَرْجِعُ لِكَثْرَةِ الْخَيْرِ فِيهَا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ النُّمُوِّ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ (فَإِنْ قُلْت) وَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِ: وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُمَا مِنْ أَفْرَادِ النُّمُوِّ (قُلْت) لِأَنَّ النُّمُوَّ فِي الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ النُّمُوُّ فِي الذَّاتِ كَنُمُوِّ الزَّرْعِ بِخِلَافِ النُّمُوِّ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ بِهِ) أَيْ وَسُمِّيَتْ الزَّكَاةُ بِمَعْنَى الْجُزْءِ، أَوْ إخْرَاجِ الْجُزْءِ وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ بِلَفْظِ زَكَاةٍ (قَوْلُهُ: لِنُمُوِّهِ فِي نَفْسِهِ) أَيْ بِسَبَبِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ الْعِنْدِيَّةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَاتِهِ ثَوَابُهُ لَا حَقِيقَتُهُ فَفِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ وَكَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ فِي الثَّوَابِ سَبَبٌ فِي عَدَمِ تَلَفِهِ حِسًّا وَمَعْنًى وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَكَاةً بِمَعْنَى مُزْكِيَةٍ أَيْ مُنْمِيَةٍ أَيْ سَبَبٌ فِي النَّمَاءِ. (قُلْت) وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَسُمِّيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ زَكَاةً، وَإِنْ كَانَ مُنْقَصًا حِسًّا لِنُمُوِّهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَيْ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِمَجَازِ التَّشْبِيهِ أَيْ مَجَازٍ هُوَ التَّشْبِيهُ اهـ. أَيْ فَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَالزَّكَاةِ أَيْ كَالنُّمُوِّ حِسًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ تَنْمِيَتَهَا تَرْجِعُ لِمَا قُلْنَا فَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ لِلَّفْظِ زَكَاةٌ مَا نَمَا حِسًّا.
(قَوْلُهُ: لُغَةً وَشَرْعًا) أَيْ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: اسْمًا) مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ قَالَ شَارِحُ الْحُدُودِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ وَقِيلَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَصِحُّ نَصْبُ التَّمْيِيزِ بَعْدَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبْهَامِ الذَّاتِيِّ وَالْإِبْهَامِ الْعَرَضِيِّ. (قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ) هَذَا يُنَاسِبُ الِاسْمِيَّةَ لِأَنَّهُ مِنْ مَقُولَتِهَا وَجُزْءٌ مِنْ الْمَالِ يَشْمَلُ الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: شَرْطُ وُجُوبِهِ إلَخْ مَخْرَجُ الْخُمُسِ وَمَا شَابَهَهُ وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِّ الثَّانِي إخْرَاجٌ مُنَاسِبٌ لِلْمَصْدَرِيَّةِ وَأَرَادَ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ فَلَا يُنَافِي أَنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ لِأَنَّ حَدَّ الشَّرْطِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ صُورَةِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إذَا بَلَغَ مَالِي عِشْرِينَ دِينَارًا خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَإِنْ قُلْت النِّصَابُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلنَّاذِرِ قُلْت لَمَّا ذَكَرَ مِقْدَارَهُ بَعْدَ تَسَامُحٍ فِي ذِكْرِهِ فِي الْحَدِّ لَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَى حَدِّهِ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا قُبِضَ مِنْهُ دُونَ النِّصَابِ بَعْدَ قَبْضِ النِّصَابِ يَصْدُقُ فِي زَكَاةِ غَيْرِ النِّصَابِ أَنَّهَا زَكَاةٌ وَلَمْ يَبْلُغْ مَالُهَا نِصَابًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمُزَكَّى مُضَافٌ لِلْمَقْبُوضِ تَقْدِيرًا قَالَهُ شَارِحُ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ: سِتَّةٌ. . . إلَخْ) هَكَذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، أَوْ يَقُولُ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّكَازَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ قَالَهُ مُحَشِّي تت. (قَوْلُهُ نِصَابٍ) هُوَ لُغَةً الْأَصْلُ وَشَرْعًا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَسُمِّيَ النِّصَابُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْفُقَرَاءِ فِيهِ نَصِيبًا.
(قَوْلُهُ: فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا كُلُّ نِصَابٍ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ جَعْلِ إضَافَةِ نِصَابٍ إلَى النَّعَمِ لِلْعُمُومِ وَأَفَادَ هَذَا أَنَّ النَّعَمَ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَيْ أَمْرٌ كُلِّيٌّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ اسْمُ جَمْعٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ هِيَ جُمُوعٌ أَيْ دَالٌّ عَلَى جَمَاعَةِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلُ اسْمُ جَمْعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِصْبَاحِ وَكَذَا الْغَنَمُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ آخِرِ عِبَارَةِ الْمِصْبَاحِ، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَصَرَّحَ فِي الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَجَعَلَ وَاحِدَهُ بَقَرَةً وَأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَرَادَ بِهِ اسْمَ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ