فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ لِنَفْسِهِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي شُرِعَ الْجَمْعُ لِأَجْلِهَا فَيُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْعِشَاءَ قَبْلَ الشَّفَقِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ حَيْثُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِغَيْرِهَا وَفَاتَ جَمْعُ جَمَاعَتِهَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ صَلَّاهُمَا أَيْضًا جَمْعًا لِعِظَمِ فَضْلِهَا عَلَى الصَّلَاةِ جَمَاعَةً فِي غَيْرِهَا

(ص) وَلَا إنْ حَدَثَ السَّبَبُ بَعْدَ الْأُولَى (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا إنْ فَرَغُوا يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ وُقُوعُ الْمَطَرِ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمَغْرِبِ وَأَوْلَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ قَدْ فَاتَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ الْأُولَى فَلَوْ جَمَعُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالضَّعِيفَ كَذَلِكَ إذَا جَمَعَا تَبَعًا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ أَيْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِجَمْعِهِمَا

(ص) وَلَا الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ بِبَيْتِهِمَا (ش) يُرِيدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالضَّعِيفَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الْجَمْعُ بِبَيْتِهِمَا مَعَ جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْمُجَاوِرَيْنِ لَهُ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَصَوَّبَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَالَ غَيْرُهُمَا تَجْمَعُ الْمَرْأَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ جَارٍ فِي الضَّعِيفِ أَيْضًا

(ص) وَلَا مُنْفَرِدٌ بِمَسْجِدٍ كَجَمَاعَةٍ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِمَسْجِدٍ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ إذَا كَانَ لَا يَنْصَرِفُ مِنْهُ بَلْ وَلَوْ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْهُ إلَى مَنْزِلِهِ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي إيقَاعِ كُلٍّ لِوَقْتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْجَمْعِ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا فَيَجْمَعُ كَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمُنْقَطِعِينَ بِمَدْرَسَةٍ، أَوْ تُرْبَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْجَمْعُ إذْ لَا حَرَجَ وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْ مَكَانِهِمْ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ الِانْصِرَافِ فِي الْأَسْفَارِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ تَبَعًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ خَارِجًا عَنْهُ فَإِنَّهُمْ يَجْمَعُونَ تَبَعًا لَهُ، ثُمَّ إنَّ أَهْلَ التُّرَبِ إذَا كَثُرُوا فَيَجْمَعُونَ حِينَئِذٍ كَأَهْلِ تُرْبَةِ قَايِتْبَايْ قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ قَوْلُهُ إذَا كَثُرُوا إلَخْ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ إذَا كَانُوا فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ (هـ) فِي شَرْحِهِ

[فصل في بيان شروط الجمعة وسننها ومندوباتها]

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَمُحَرَّمَاتِهَا وَمُوجِبَاتِهَا وَمُسْقِطَاتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَأَعْقَبَهَا بِصَلَاةِ الْقَصْرِ لِكَوْنِهَا شِبْهَ ظُهْرٍ مَقْصُورَةٍ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا فِي الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ وَمَعْنَى كَوْنِهَا بَدَلًا فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ أَنَّ الظُّهْرَ شُرِعَتْ ابْتِدَاءً، ثُمَّ شُرِعَتْ الْجُمُعَةُ بَدَلًا مِنْهَا وَمَعْنَى كَوْنِهَا بَدَلًا مِنْهَا فِي الْفِعْلِ أَنَّهَا إذَا تَعَذَّرَ فِعْلُهَا أَجْزَأَتْ عَنْهَا الظُّهْرُ، وَالْأَشْهَرُ فِيهَا ضَمُّ الْمِيمِ وَبِهِ قَرَأَ الْجَمَاعَةُ وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَقُرِئَ بِهِنَّ شَاذًّا

(ص) شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ. . . إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ دَخَلَهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا فَلَا يُطَالَبْ بِهِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَيُصَلُّونَ أَفْذَاذًا إنْ دَخَلُوهَا فَيُقَيَّدُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ ذَكَرَهُ فِي ك (قَوْلُهُ: وَفَاتَ جَمْعُ جَمَاعَتِهَا) ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْجَمَاعَةِ أُقِيمَتْ بِهَا فَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِهَا جَمَاعَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَرْأَةَ. . إلَخْ) أَيْ الْمُشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَا الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا فَيَجْمَعُ) أَيْ إذَا كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ بَلْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ وَصَوَّبَهُ ابْنُ نَاجِي وَصَوَّبَ بَعْضُهُمْ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَقُولُ وَالصَّوَابُ عِنْدِي الْأَوَّلُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّاتِبَ يَسْتَخْلِفُ وَلَا يَتَقَدَّمُ وَيُصَلِّي تَبَعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُعْتَكِفِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهَذَا يَذْهَبُ لِمَنْزِلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلِاسْتِخْلَافِ بَلْ يَجْمَعُ بِمُفْرَدِهِ وَيَخْرُجُ فِي الضَّوْءِ (قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ تَبَعًا) أَيْ لِمَنْ يَذْهَبُ لِبَيْتِهِ وَلَيْسَ مُنْقَطِعًا بِالْمَسْجِدِ مِثْلُهُمْ (قَوْلُهُ: إذَا كَانُوا فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرُوا كَمَا فِي عب أَيْ فَيَجْمَعُونَ إذَا كَانَ لَهُمْ مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَيَتَفَرَّقُونَ إلَى أَمَاكِنِهِمْ

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا]

(فَصْلٌ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ مَعَ حَوَّاءَ بِالْأَرْضِ فِيهِ وَقِيلَ لِمَا جُمِعَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

(فَائِدَةٌ) لَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا وَلِذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ كَانَ لِتِلْكَ الْحَجَّةِ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ ذَكَرَهُ شب فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ الْحَقُّ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَرَافِيَّ قَدْ قَالَ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُفْعَلُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ يَمْنَعَانِ وُجُوبَ الظُّهْرِ عَلَى رَأْيٍ وَيُسْقِطَانِهَا عَلَى آخَرَ اهـ.

وَقَوْلُهُ يَمْنَعَانِ وُجُوبَ الظُّهْرِ عَلَى رَأْيٍ وَعَلَيْهِ فَهِيَ فَرْضُ يَوْمِهَا وَالظُّهْرُ بَدَلٌ مِنْهَا، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ: وَيُسْقِطَانِهَا عَلَى آخَرَ وَعَلَيْهِ فَهِيَ بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ وَهْبٍ إلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ إذْ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا مِنْ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ فِعْلُهَا مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِ سَعْيِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الشَّاذُّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْحَقُّ كَأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: كُلِّهَا) اسْتِعْمَالُ كُلٍّ الْمُضَافَةِ لِلضَّمِيرِ - فِي غَيْرِ الِابْتِدَاءِ وَالتَّأْكِيدِ - رَأْيُ بَعْضٍ وَعَلَى الْآخَرِ فَالْمُؤَكَّدُ مَحْذُوفٌ عَلَى قِلَّةٍ أَيْ وُقُوعُهَا كُلُّهَا (قَوْلُهُ: لِلْغُرُوبِ) حَقِيقَةٌ عَلَى الثَّانِي الْآتِي أَوْ قَبْلَهُ بِرَكْعَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَأَطْلَقَ الْغُرُوبَ عَلَى مَا يَشْمَلُهُ وَمَا قَبْلَهُ، أَوْ يُقَالُ جَزَمَ بِالْمَشْهُورِ أَوَّلًا ثُمَّ سَاقَ الْخِلَافَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّقَانِيِّ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ضَعِيفٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ كُلِّ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً قَبْلَهُ لَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً بَلْ ظُهْرًا أَوْ يَقْطَعُ مَعَ أَنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ عج وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي وُجُوبِ إقَامَتِهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015