الْعَيْنِيِّ الْحَاضِرِ أَوْ الْفَائِتِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً إلَّا فِي الْجُمُعَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَفِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ حَتَّى فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَلَبُ الْجَمَاعَةِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ طَلَبُ الْجَمَاعَةِ خِلَافُ مَا جَمَعَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَ الْأَقْوَالِ مِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا فِي الْجُمْلَةِ سُنَّةً فِي كُلِّ مَسْجِدٍ فَضِيلَةً لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ هَذِهِ خِلَافُ طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِ وَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى إقَامَتِهَا بِكُلِّ مَسْجِدٍ لَا عَلَى إقَامَتِهَا بِالْبَلَدِ وَلَا عَلَى إيقَاعِ الرَّجُلِ صَلَاتَهُ فِي الْجَمَاعَةِ.
(ص) وَلَا تَتَفَاضَلُ. (ش) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشُمُولِ الدُّعَاءِ وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ وَكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ، لَكِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى جَعْلِ هَذِهِ الْفَضَائِلِ سَبَبًا لِلْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ لَهَا الْإِعَادَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا تَتَفَاضَلُ أَيْ: تَفَاضُلًا يُطْلَبُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِهِ الْإِعَادَةُ فَلَيْسَ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يُعِيدَ فِي أُخْرَى أَفْضَلَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهَا تَتَفَاضَلُ مِنْ حَيْثُ وَصْفِهَا بِالْكَثْرَةِ أَوْ الصَّلَاحِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا تَتَفَاضَلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جَمَاعَةٌ لَا مِنْ حَيْثُ وَصْفِهَا بِالصَّلَاحِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا تَتَفَاضَلُ بِاعْتِبَارِ الْكَمِّيَّةِ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ. (ص) وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا بِرَكْعَةٍ. (ش) أَيْ: إنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ الْمَوْعُودُ بِهِ لِخَبَرِ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةَ» أَيْ: صَلَاةٌ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ: فَضْلَهَا وَحُكْمَهَا أَيْضًا فَلَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ وَالْبَعْدِيُّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى إمَامِهِ وَيُسَلِّمُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهَا فَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا فَضْلُهَا أَيْ: الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ أَنَّ مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ لَهُ أَجْرٌ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمَاعَةٍ فَحَقِيقَةُ السُّنِّيَّةِ صَادِقَةٌ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: الْعَيْنِيِّ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلِلَّخْمِيِّ سُنَّةٌ فَإِنْ صَلَّوْا عَلَيْهِ وُحْدَانًا اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا جَمَاعَةً وَلِابْنِ رُشْدٍ شَرْطٌ كَالْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ) أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ أَيْ: بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كُلِّ مَسْجِدٍ وَعَنْ كُلِّ إنْسَانٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: سُنَّةٌ فِي الْبَلَدِ عَلَى الْإِجْمَالِ أَيْ: بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كُلِّ مَسْجِدٍ. (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَلَبُ الْجَمَاعَةِ) أَيْ: الْمُنْفَرِدِ الَّذِي لَمْ يُصَلِّ وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَحْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْفَرْضُ وَاَلَّذِي صَلَّى وَحْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ طَلَبُ الْجَمْعِ نَدْبًا فَلْيَكُنْ الَّذِي لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْفَرْضُ أَقْوَى، وَالْوُجُوبُ مُنْتَفٍ قَطْعًا فَتَبْقَى السُّنِّيَّةُ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَقْوَالِ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا أَقْوَالٌ فَقِيلَ فَرْضٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ مَنْدُوبٌ فَأَرَادَ ابْنُ رُشْدٍ أَنْ لَا يَجْعَلَ الْخِلَافَ حَقِيقِيًّا بَلْ لَفْظِيًّا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ: فِي الْبَلَدِ. (قَوْلُهُ: فَضِيلَةً لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّتِهِ) أَيْ: الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ إقَامَتِهَا فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَ غَيْرِهِ فَالْجَمَاعَةُ لِذَلِكَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَهِيَ سُنَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْعُلَمَاءِ وَالْكَثِيرِ إلَخْ) الْوَاوُ فِيهِمَا بِمَعْنَى أَوْ. (قَوْلُهُ: لِشُمُولِ الدُّعَاءِ) أَيْ: عُمُومِهِ أَيْ: كَثْرَتِهِ وَقَوْلُهُ: وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَقَوْلُهُ: وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ أَيْ: الدُّعَاءِ، وَقَبُولُ الدُّعَاءِ أَعَمُّ مِنْ سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ قَبُولُ الشَّفَاعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ الشَّفَاعَةِ سُرْعَةُ الْإِجَابَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ لَهَا الْإِعَادَةَ) وَهِيَ السَّبْعُ وَالْعِشْرُونَ أَوْ الْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ بِجَعْلِ الْفَضَائِلِ سَبَبًا لِلْإِعَادَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: تَفَاضُلًا يُطْلَبُ لِأَجْلِهِ إلَخْ) أَيْ: لِكَوْنِ التَّفَاضُلِ الَّذِي يُطْلَبُ لِتَحْصِيلِهِ الْإِعَادَةُ زِيَادَةً فِي الْكَمِّيَّةِ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ بِالصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ التَّفَاضُلُ فِي الْكَيْفِيَّةِ. (قَوْلُهُ: تَتَفَاضَلُ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهَا بِالْكَثْرَةِ) أَيْ: فِي الْكَيْفِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جَمَاعَةٌ) أَيْ: لِأَنَّ الْكَمِّيَّةَ وَاحِدَةٌ لَا تَزَايُدَ فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ مُبَيِّنٌ لِلْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَهِيَ أَوْجُهٌ مُتَغَايِرَةٌ مَفْهُومًا فَقَطْ فَظَهَرَ أَنَّ مَرْجِعَ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: بِرَكْعَةٍ) بِأَنْ يُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ مِمَّا قَارَبَهُمَا قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَّا بَعْدَ رَفْعِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ سَجْدَتَيْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ زُوحِمَ أَوْ نَعَسَ عَنْهُمَا حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ وَفَعَلَهُمَا بَعْدَ سَلَامِهِ فَهَلْ يَكُونُ كَمَنْ فَعَلَهُمَا مَعَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُهَا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ) اللَّامُ بِمَعْنَى فِي. (قَوْلُهُ: بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِأَنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنْ الدَّرَجَةِ أَوْ أَخْبَرَهُ أَوَّلًا بِالْأَقَلِّ ثُمَّ تَفَضَّلَ بِالزِّيَادَةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا ثَانِيًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْجُزْءِ جَزْءَ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لَا جَزْءَ ثَوَابِ الْفَذِّ فَالْأَعْدَادُ الْوَارِدَةُ كُلُّهَا أَعْدَادُ صَلَوَاتٍ فَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَاحِدَةٌ لِصَلَاةِ الْفَذِّ وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَعْدَادِ الْوَارِدَةِ فِي الرِّوَايَاتِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْتَدِي بِهِ) يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِهِ: وَحُكْمَهَا إلَخْ فَهِيَ فِي الْمَعْنَى تَعْيِينٌ لِلْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ عج مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِهِ فَذًّا أَوْ يَقْطَعَ وَيُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى إنْ رَجَاهَا فَإِنْ لَمْ يَرْجُهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ فَذًّا اتِّفَاقًا. وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مُدْرِكِ التَّشَهُّدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ إلَخْ.