وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ثَلَاثًا عَلَى أَهْلِ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَوَاحِدَةً عَلَى مَا يَلِيهِ. (ص) وَتَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ. (ش) أَيْ: لِلْقَادِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ إفَاضَةٍ أَوْ الْمُقِيمِ الَّذِي يُرِيدُ الطَّوَافَ، أَمَّا مَنْ دَخَلَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْمُشَاهَدَةِ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ إنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ وَإِلَّا جَلَسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ
. (ص) وَتَرَاوِيحُ وَانْفِرَادٌ فِيهَا إنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ. (ش) أَيْ: وَتَأَكَّدَ تَرَاوِيحُ قِيَامِ رَمَضَانَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِيَامَ فَيَقْرَأُ الْقَارِئُ بِالْمِئِينَ يُصَلُّونَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَيَقْضِي مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ وَوَقْتُهَا وَقْتُ الْوِتْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِاسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ عَلَى الْجَمْعِ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ، وَالِانْفِرَادُ فِيهَا طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الرِّيَاءِ أَفْضَلُ وَالْمُرَادُ بِالِانْفِرَادِ فِيهَا فِعْلُهَا فِي الْبُيُوتِ وَلَوْ جَمَاعَةً هَذَا إنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ فَإِنْ خِيفَ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي التَّرَاوِيحِ التَّعْطِيلُ فَالْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَفْضَلِ الْكَرَاهَةُ فَلَوْ، قَالَ: وَفِعْلُهَا بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ إنْ لَمْ تُعَطَّلْ أَيْ: الْمَسَاجِدُ لَوَفَّى بِالْمُرَادِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِتَعْطِيلِ الْمَسَاجِدِ عَنْ صَلَاتِهَا فِيهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ عَنْ صَلَاتِهَا فِيهَا جُمْلَةً. وَالثَّانِي: اسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ السَّنْهُورِيُّ وَبَقِيَ لِلِانْفِرَادِ شَرْطَانِ: أَنْ لَا يَكُونَ فَاعِلُهَا آفَاقِيًّا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ كَانَ آفَاقِيًّا فَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ، وَأَنْ يَنْشَطَ لِفِعْلِهَا فِي بَيْتِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأَكُّدِ التَّرَاوِيحِ تَبِعَنَا فِيهِ الْبِسَاطِيُّ وَالسَّنْهُورِيُّ وَس فِي شَرْحِهِ وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ عَطْفًا عَلَى فَاعِلِ نُدِبَ وَتَبِعَهُ تت وَقَوْلُ عُمَرَ " نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ " يَعْنِي بِالْبِدْعَةِ جَمْعَهُمْ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ مُوَاظَبَةً فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُصَلُّونَ أَوْزَاعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَ إنَّ اللَّهَ) بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مِنْ الْحَدِيثِ.
(تَنْبِيهٌ) : الْمَشْهُورُ أَنَّ التَّضْعِيفَ الْوَارِدَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - خَاصٌّ بِالْفَرَائِضِ وَبِصَلَاةِ الرِّجَالِ دُونَ الْإِنَاثِ وَوَجْهُهُ أَنَّ فِعْلَ النَّوَافِلِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ وَنَهَى النِّسَاءَ عَنْ حُضُورِ جَمَاعَتِهِنَّ فِي مَسْجِدِهِ لِكَثْرَةِ الْمُزَاحَمَةِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: لِلْقَادِمِ بِحَجٍّ) أَيْ: لِلْقَادِمِ الْمُتَلَبِّسِ بِحَجٍّ أَوْ الْمُتَلَبِّسِ بِعُمْرَةٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ إفَاضَةٍ. مَعْطُوفٌ عَلَى حَجٍّ وَالْمَعْنَى: لِلْقَادِمِ الْمُتَلَبِّسِ بِإِرَادَةِ طَوَافِ إفَاضَةٍ. هَذَا مَعْنَاهُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ حَذْفُ أَوْ إفَاضَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَلَبِّسِ بِالْحَجِّ شَامِلٌ لِلْإِفَاضَةِ كَمَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْقُدُومِ وَالْوَدَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْآفَاقِيِّ وَغَيْرِهِ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَنْ طُلِبَ بِالطَّوَافِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا تَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُقِيمِ الَّذِي يُرِيدُهُ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِالطَّوَافِ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مُتَلَبِّسًا بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ يُفَصَّلُ فِيهِ إنْ أَرَادَ الطَّوَافَ فَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ إنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ جَوَازٍ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمَّا جُعِلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُقِيمِ أَفَادَ أَنَّ الْآفَاقِيَّ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ: وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ مُطْلَقًا أَرَادَهُ أَمْ لَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ طُلِبَ بِالطَّوَافِ وَلَوْ نَدْبًا أَوْ أَرَادَهُ فَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ آفَاقِيًّا أَمْ لَا وَكَذَا إنْ لَمْ يُرِدْهُ وَهُوَ آفَاقِيٌّ فَهَذِهِ خَمْسٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَمْ يُرِدْهُ وَهُوَ مُقِيمٌ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ
. (قَوْلُهُ: تَرَاوِيحُ قِيَامِ رَمَضَانَ) أَيْ: تَرَاوِيحُ هِيَ قِيَامُ رَمَضَانَ فَالْإِضَافَةُ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ وَشَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ لِلْبَيَانِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ التَّرَاوِيحَ لَا تَخْتَصُّ بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا الْخَاصُّ بِرَمَضَانَ التَّأَكُّدُ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: فَيَقْرَأُ الْقَارِئُ بِالْمِئِينَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَالْكَسْرُ أَنْسَبُ بِالْمُفْرَدِ وَهُوَ مِائَةٌ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ التَّحْتِيَّةِ أَيْ: السُّوَرُ الَّتِي تَلِي السَّبْعَ الطِّوَالَ أَوْ الَّتِي أَوَّلُهَا مَا يَلِي الْكَهْفَ لِزِيَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مِائَةِ آيَةٍ أَوْ الَّتِي فِيهَا الْقَصَصُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. (أَقُولُ) وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَهَلْ الْجَمَاعَةُ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ الثَّلَاثُ فَمَا فَوْقَ. (قَوْلُهُ: وَوَقْتُهَا وَقْتُ الْوِتْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ: بَعْدَ الْعِشَاءِ وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ بِالصَّيْفِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ. (قَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ) فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَرَاهَةِ صَلَاةِ النَّفْلِ جَمَاعَةً فَهِيَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ. (قَوْلُهُ: وَالِانْفِرَادُ فِيهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الِانْفِرَادُ أَفْضَلَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلُهُ خِلَافَ الْأَوْلَى أَوْ مَكْرُوهًا فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ قُلْت: لَا وُرُودَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مَنُوطٌ بِالْفَاعِلِينَ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَيْ: إنَّ الْفَاعِلِينَ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ يُنْدَبُ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الذَّهَابِ لِلْمَسْجِدِ وَيَفْعَلُهَا فِي بَيْتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالِانْفِرَادِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا بِالْحَقِيقَةِ فَلِذَا قَالَ: وَلَوْ قَالَ: وَفِعْلُهَا إلَخْ. أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي إرَادَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبُيُوتِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَفْضَلِ الْكَرَاهَةُ) أَيْ: حَيْثُ قُلْنَا: فَالْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا فِي الْبُيُوتِ مَكْرُوهًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى فَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَصْرِيحٌ بِالْمُرَادِ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَمُحْتَمِلٌ لِخِلَافِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: جَمْعَهُمْ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ) أَيْ: صَلَاتَهَا جَمَاعَةً بِإِمَامٍ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْزَاعًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَأَلِفٌ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ جَمَاعَاتٌ مُتَفَرِّقُونَ أَيْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ أَيْ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَطُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُمَا: اسْتَنْبَطَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى مَعَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي وَإِنْ كَانَ كَرِهَ