وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا بَعْدَ أَسْرِهَا، فَلَا تُقْتَلُ، وَلَوْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا، وَإِلَّا فَتُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قِتَالُهَا بِالسِّلَاحِ، أَوْ بِالْحِجَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَأَوِّلَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِي حَالِ قِتَالِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ بِالسِّلَاحِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا بَعْدَ أَسْرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجِهَادِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ إذَا قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ وَلَوْ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا أَنَّهَا تُقْتَلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَأَمَّا إنْ قَاتَلَتْ بِالْحِجَارَةِ، فَحُكْمُهَا فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ
. (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ (الرِّدَّةَ وَالسَّبَّ وَأَحْكَامَهُمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرِّدَّةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ قَوْلِك: رَدَّهُ رَدًّا وَرِدَّةً، وَالرِّدَّةُ: الِاسْمُ مِنْ الِارْتِدَادِ، وَالرِّدَّةُ: إمْلَاءُ الضَّرْعِ مِنْ اللَّبَنِ، وَالِارْتِدَادُ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ الْمُرْتَدُّ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: حَقِيقَةُ الرِّدَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْإِسْلَامِ مِنْ مُكَلَّفٍ، وَفِي غَيْرِ الْبَالِغِ خِلَافٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا، وَعَرَّفَهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (ص) : الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ (ش) أَيْ: الْمُتَقَرِّرِ إسْلَامُهُ، فَيَشْمَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَلَا يَتَقَرَّرُ الْإِسْلَامُ إلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَالْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الدَّعَائِمِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ فَقَطْ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: الْمُسْلِمِ مِمَّا إذَا خَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ مِلَّةٍ إلَى أُخْرَى كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ، أَوْ عَكْسِهِ فَلَا يَكُونُ رِدَّةً، وَيُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا، وَعَدَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ قَوْلِهِ: كُفْرُ الْمُؤْمِنِ إلَى قَوْلِهِ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ إنَّمَا يُقَابَلُ بِالْإِيمَانِ؛ لِكَوْنِ النَّظَرِ هُنَا مَقْصُورًا عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا الَّتِي يَنْظُرُ فِيهَا الْحُكَّامُ، وَلَا قُدْرَةَ لِلْبَشَرِ عَلَى مَعْرِفَةِ إيمَانِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا إنَّمَا يَعْرِفُونَ إسْلَامَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى الْكَلَامِ عَلَى الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كُفْرُ الْمُسْلِمِ فَقَالَ: (ص) بِصَرِيحٍ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ (ش) مِثَالُ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ، وَمِثَالُ اللَّفْظِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ أَنْ يَجْحَدَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ جُزْءًا مِنْهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ، وَمِثَالُ الْفِعْلِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ لُبْسُ الزُّنَّارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ) مِثَالٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ وَمِثْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ هَذَا أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَعْدَ أَسْرِهَا، وَلَوْ وَقَعَ أَسْرُهَا حَالَ الْحَرْبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ أُسِرَتْ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ تُقْتَلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ قَتَلَتْ تُقْتَلُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ تَقْتُلْ، وَظَفِرْنَا بِهَا بَعْدَ الْمُقَاتَلَةِ لَا تُقْتَلْ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ تَقْتُلْ وَظَفِرْنَا بِهَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَإِنْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ قُتِلَتْ وَإِلَّا فَلَا
. (بَابٌ) . (قَوْلُهُ: ذَكَرَ فِيهِ الرِّدَّةَ) أَيْ: تَعْرِيفَهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدُ: وَأَحْكَامَهَا أَيْ: الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالرِّدَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَالسَّبَّ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ حَقِيقَةَ السَّبِّ وَالْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِلسَّبِّ تَعْرِيفًا. (قَوْلُهُ: مَصْدَرُ قَوْلِك: رَدَّهُ) أَيْ: صَرَفَهُ أَيْ: فَهِيَ مَصْدَرُ رَدَّ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى صَرَفَهُ، وَقَوْلُهُ: وَالرِّدَّةُ إلَخْ الْمَعْنَى وَالرِّدَّةُ كَمَا هِيَ مَصْدَرُ رَدَّهُ تَكُونُ اسْمًا مِنْ الِارْتِدَادِ الْمُفَسَّرِ بِالرُّجُوعِ، وَقَوْلُهُ: وَالِارْتِدَادُ الرُّجُوعُ، الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرِّدَّةُ إمْلَاءُ الضَّرْعِ، وَقَوْلُهُ: وَالرِّدَّةُ إمْلَاءُ الضَّرْعِ، الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِقَوْلِهِ: امْتِلَاءُ الضَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ فِي اللُّغَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّدَّةَ بِالْكَسْرِ تَأْتِي لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، تَأْتِي مَصْدَرَ رَدَّهُ بِمَعْنَى صَرَفَهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَتَأْتِي اسْمًا مِنْ الِارْتِدَادِ الَّذِي هُوَ الرُّجُوعُ وَهُوَ لَازِمٌ، وَتَأْتِي بِمَعْنَى امْتِلَاءِ الضَّرْعِ وَهُوَ لَازِمٌ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الْبَالِغِ خِلَافٌ) وَالرَّاجِحُ اعْتِبَارُ رِدَّتِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَلَا يُغَسَّلُ إنْ مَاتَ، وَبَعْدَ بُلُوغِهِ يُقْتَلُ مَا لَمْ يَتُبْ. (فَائِدَةٌ) أَوَّلُ مَنْ كَفَرَ إبْلِيسُ بِنِسْبَتِهِ الْجَوْرَ لِلْبَارِي حَيْثُ قَالَ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] وَلَيْسَ كُفْرُهُ بِالْمُخَالَفَةِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ السُّجُودِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الدَّعَائِمِ) أَيْ: أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَالنَّصَارَى وَالْيَهُودُ وَاقِفُونَ عَلَى الدَّعَائِمِ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. (قَوْلُهُ: مَقْصُورًا عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا إلَخْ) أَيْ: الْأَحْكَامِ الظَّاهِرِيَّةِ الَّتِي يَنْظُرُ فِيهَا الْحُكَّامُ أَيْ: وَالْإِسْلَامُ هُوَ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ لِلْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ، وَهُوَ خَفِيٌّ لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: إنَّمَا يَعْرِفُونَ إسْلَامَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَيْ: الَّذِي هُوَ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَخْ) أَيْ: وَلَيْسَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحٍ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ خِلَافًا لِبَهْرَامَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ تَمَّ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِيَقْتَضِيهِ، أَوْ يَتَضَمَّنُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ لَا التَّضَمُّنُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مِثَالُ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ) أَيْ: وَكَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ إلَخْ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ فَمَا وَجْهُ كَوْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّرِيحِ فِي الْكُفْرِ بِخِلَافِ الثَّانِي إذْ كِلَاهُمَا الْبَارِي مُنَزَّهٌ عَنْهُ قَطْعًا؟ ، فَالْمُنَاسِبُ مَا أَفَادَهُ تت بِقَوْلِهِ: بِأَنْ يَقُولَ: كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ بِمُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ اللَّفْظِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ إلَخْ) أَيْ: الْمُقْتَضِي لِقَطْعِ الْإِسْلَامِ وَزَوَالِهِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ) أَيْ: آخِذٌ قَدْرًا مِنْ الْفَرَاغِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ: جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَكْفُرُ قَائِلُهُ، أَوْ مُعْتَقِدُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ) وَمِمَّا يَرْتَدُّ بِهِ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ مَعَ قَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ بِالْقَذَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا. (قَوْلُهُ: يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ) أَيْ: قَطْعَ الْإِسْلَامِ أَيْ: زَوَالَهُ