الْقَسَامَةُ لِأَنَّهَا نَفْسٌ وَيَحْلِفُ وَلِيُّ الْجَنِينِ وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ وَلَوْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ (الْبَغْيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) وَهُوَ التَّعَدِّي، وَبَغَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتَطَالَ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ الطَّلَبُ إلَّا أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى طَلَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يَبْغِيَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي ابْتِغَاؤُهُ شَرْعًا. وَشَرْعًا: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ، وَلَوْ تَأَوُّلًا فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَنْ ثَبَتَتْ إلَخْ مَنْ لَمْ تَنْعَقِدْ لَهُ إمَامَةٌ، وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إمَّا حَالٌ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالِامْتِنَاعِ، وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَتِهِ فِي مَكْرُوهٍ يَكُونُ بَغْيًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الْمَكْرُوهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى الْمُبَاحِ فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ، وَقَدْ عَرَّفَ الْمُؤَلِّفُ الْفِرْقَةَ الْبَاغِيَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِتَعْرِيفِ الْبَغْيِ بِقَوْلِهِ (ص) : الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ، أَوْ لِخَلْعِهِ فَلِلْعَدْلِ قِتَالُهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبَاغِيَةَ هِيَ فِرْقَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَالَفَتْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ، أَوْ نَائِبَهُ لِمَنْعِ حَقٍّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْعِبَادِ، أَوْ لِخَلْعِ الْإِمَامِ مِنْ مَنْصِبِهِ فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ قِتَالُهُمْ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ، وَيُوَافِقَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ سَحْنُونَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الذَّبُّ عَنْهُ، وَالْقِتَالُ مَعَهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا؛ دَعْهُ وَمَا يُرَادُ مِنْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْ الظَّالِمِ بِظَالِمٍ، ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا، وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِفِرْقَةٍ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْبَاغِي وَاحِدًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مُغَالَبَةً فَمَنْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْبُغَاةِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُغَالَبَةِ إظْهَارُ الْقَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُقَاتَلَةُ وَقَوْلُهُ: فَلِلْعَدْلِ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ: فَعَلَى الْعَدْلِ قِتَالُهُمْ لَا غَيْرُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ خُرُوجِهِمْ عَلَيْهِ فِسْقَهُ وَجَوْرَهُ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ تَأَوَّلُوا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: الْبَاغِيَةُ فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ إلَخْ وَلِقَوْلِهِ: فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ قِتَالُهُمْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (كَالْكُفَّارِ) إلَى أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُدْعَوْا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَنْصِبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتِ أَيْ: الْمَجَانِيقَ خِلَافَ مَا عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ (ص) وَلَا يُسْتَرَقُّوا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَحْلِفُ وَلِيُّ الْجَنِينِ وَاحِدَةً) أَقُولُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَحْلِفُ كُلُّ وَارِثٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَتْ إلَخْ أَيْ وَلَا شَاهِدَ قَالَ فِي ك وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَهَلَّ أَيْ لِأَنَّهَا نَفْسٌ أُخْرَى وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ شَاهِدَةً فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ دَمِي وَدَمُ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُقْسِمُ عَلَى قَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ وَيَكُونُ فِي غَيْرِهِ شَاهِدًا
(بَابُ الْبَاغِيَةِ) . (قَوْلُهُ: هُوَ الطَّلَبُ) أَيْ: مُطْلَقُ الطَّلَبِ الشَّامِلِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَبْغِيَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي ابْتِغَاؤُهُ شَرْعًا كَذَا فِي نُسْخَتِهِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ اصْطِلَاحِيٌّ، وَعَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ ابْنِ عَرَفَةَ ثُمَّ اطَّلَعْتُ عَلَى بَعْضِ الشُّرَّاحِ، فَوَجَدْته ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْعًا، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ تَعْرِيفُهُ جَارِيًا عَلَى اللُّغَةِ، وَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مُطْلَقٌ، ثُمَّ خُصَّ عُرْفًا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَأَمَّلْ هَذَا مَا ظَهَرَ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ إلَخْ) قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِظْهَارِ فَقَالَ إذَا أَمَرَك بِمَكْرُوهٍ فَالْأَظْهَرُ مُخَالَفَتُهُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْمُجْمَعَ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْقُرْطُبِيِّ، وَغَيْرِهِ لَا فِي الْمُخْتَلَفِ فِي كَرَاهَتِهِ وَجَوَازِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِالْكَرَاهَةِ، وَالْحُرْمَةِ، وَكَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْآمِرِ بِهِ الْكَرَاهَةَ، وَمَذْهَبُ الْمَأْمُورِ الْحُرْمَةَ، فَهَلْ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَوْ يَتَّفِقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ فِيهِ نَظَرًا لِمَذْهَبِ الْمَأْمُورِ؟ . (قَوْلُهُ: الْمُسْتَلْزِمَةُ لِتَعْرِيفِ الْبَغْيِ) أَيْ: فَيُقَالُ: الْبَغْيُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ لِمَنْعِ حَقٍّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْعِ حَقٍّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ: كَالزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ: فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلِلْعَدْلِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ إلَخْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا) أَيْ: فِي الْآخِرَةِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ تَلَامِذَةِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مُغَالَبَةً إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ لِخَلْعِهِ يَتَضَمَّنُ الْمُغَالَبَةَ، فَدَعْوَى أَنَّ قَيْدَ الْمُغَالَبَةِ زَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمُخَالَفَتِهِ فِي مَنْعِ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ) أَيْ: كَامْتِنَاعٍ مِنْ عَيْنِهِ لِجِهَادٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْخُرُوجِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَوَّلُوا) أَيْ: بِأَنْ امْتَنَعُوا مِنْ الزَّكَاةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ أَيْ: مُتَأَوِّلِينَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] قَاصِرٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ طَاعَتِهِ مُتَأَوِّلِينَ أَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ لِعَلِيٍّ لَا لِأَبِي بَكْرٍ فَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَحَتَّى يُدْعَوْا) أَيْ: إلَى طَاعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْصِبُ عَلَيْهِمْ إلَخْ) أَيْ: وَيُقَاتَلُونَ بِالسَّيْفِ وَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالتَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ الذُّرِّيَّةُ. (قَوْلُهُ: خِلَافَ مَا عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ) وَنَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ: يَمْتَازُ قِتَالُ الْبُغَاةِ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا أَنْ يَقْصِدَ بِقِتَالِهِمْ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ، وَيَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ، وَلَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلَ أَسْرَاهُمْ، وَلَا يُقَسِّمَ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَسْبِيَ ذَرَارِيَّهُمْ، وَلَا يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ وَلَا يُوَادِعَهُمْ عَلَى مَالٍ، وَلَا يَنْصِبَ عَلَيْهِمْ، الرَّعَّادَاتِ، وَلَا يُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ الْمَسَاكِنَ، وَلَا يَقْطَعَ شَجَرَهُمْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَرَقُّوا إلَخْ) الْمَعْهُودُ أَنَّ وُقُوعَ النَّهْيِ إنَّمَا يَكُونُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، بَلْ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ فَيَكُونُ لَا فِي كَلَامِهِ لِلنَّهْيِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْهُودِ، وَلِذَلِكَ