(بَابٌ ذُكِرَ فِيهِ أَحْكَامُ الدِّمَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) وَإِنَّمَا أَتَى الْمُؤَلِّفُ بِهِ إثْرَ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَوْكَدُ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ فَفِي الصَّحِيحِ «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» وَلِهَذَا يَنْبَغِي التَّهَمُّمُ بِشَأْنِهَا وَكَذَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اشْتَرَكَ فِي دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَحَدِيثُ أَوَّلُ مَا يُقْضَى الْمُتَقَدِّمُ لَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعِبَادِ الصَّلَاةُ» لِأَنَّ هَذَا فِي خَاصَّةِ أَعْمَالِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ وَذَاكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَكِنْ اُنْظُرْ أَيَّهُمَا يُقَدَّمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْقَضَاءُ فِي الدِّمَاءِ وَلَمَّا كَانَتْ أَرْكَانُ الْجِنَايَةِ ثَلَاثَةً الْجَانِيَ وَالْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَالْجِنَايَةَ وَلِكُلٍّ مِنْهَا شُرُوطٌ ذَكَرَ جَمِيعَهَا وَبَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (ص)
(بَابُ الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ) (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَتَى الْمُؤَلِّفُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ أَنْ يَنْظُرَ) أَيْ الْقَاضِي أَيْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي فَرْعُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَهُمَا وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ الْبَابِ أَيْ أَحْكَامِهِ أَوَّلًا أَيْ كُلَّ يَوْمٍ أَيْ فَحِينَ يَجْلِسُ كُلَّ يَوْمٍ يَنْظُرُ أَوَّلًا إلَى الْحُكْمِ فِي الدَّعَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَوْكَدُ الضَّرُورِيَّاتِ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْكَدِ الضَّرُورِيَّاتِ وَقَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ أَوْكَدُ الضَّرُورِيَّاتِ أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ضَرُورَةٌ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ (قَوْلُهُ فَفِي الصَّحِيحِ) دَلِيلٌ لِكَوْنِ مَا ذُكِرَ آكَدَ الضَّرُورِيَّاتِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوَّلِيَّةِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي التَّهَمُّمُ بِشَأْنِهَا) أَيْ شَأْنِ أَحْكَامِهَا وَقَوْلُهُ وَكَذَا فِي الدُّنْيَا أَيْ أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا فِي الدِّمَاءِ ثُمَّ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي قَوْلِهِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ أَوَّلًا أَيْ أَوَّلَ جُلُوسِهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَفِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ) كَأَنْ يَنْطِقَ بِالْأَلِفِ وَالْقَافِ مِنْ اُقْتُلْ (قَوْلُهُ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ فَإِنْ قُلْت إنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ هُنَاكَ إيَاسٌ بَلْ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلْعَفْوِ قُلْت نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَى الظَّاهِرِ لِأَجْلِ الزَّجْرِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] إلَخْ (قَوْلُهُ الْجِنَايَةِ إلَخْ) لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حَقِيقَةِ الْجِنَايَةِ ذَاتِ الْأَرْكَانِ الْمَذْكُورَةِ وَعَرَّفَهَا ابْنُ مَرْزُوقٍ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْجِنَايَةِ اصْطِلَاحًا فَهِيَ إتْلَافُ مُكَلَّفٍ غَيْرِ