وَدِدْنَا وَاَللَّهِ أَنْ نَرَاك فَوْقَ أَعْوَادِ نَعْشِك وَلَا نَرَاك قَاضِيًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِأَنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِشَرَائِطِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بَلْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَا ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَلَا الطَّلَبُ فَلَوْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ انْتَفَى كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ عَيَّنَ) وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ إلَّا الْقَضَاءَ فَفَاعِلُ لَزِمَ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ وَالْمُتَعَيِّنُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْخَائِفَ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَفِتْنَةً مَفْعُولُ خَائِفٍ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ شَرْطٌ فِي الْخَائِفِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ عَطْفٌ عَلَى " فِتْنَةً " وَفِيهِ الْحَذْفُ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ الْخَائِفَ ضَيَاعَ الْحَقِّ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ، وَقَوْلُهُ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الطَّلَبُ مَا لَمْ يَكُنْ بِدَفْعِ مَالٍ

(ص) وَحَرُمَ الْجَاهِلُ وَقَاصِدُ دُنْيَا (ش) أَيْ أَنَّ الْجَاهِلَ حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ جَهْلُهُ إلَى مُخَالَفَةِ الْأُمُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَهُ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ قَبُولُ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ قَصَدَ بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا مَخَافَةَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ غَرَضُهُ الدُّنْيَوِيُّ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَلَوْ قَالَ وَحَرُمَ تَوْلِيَةُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لَهُ لَكَانَ أَشْمَلَ

(ص) وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمَهُ (ش) لَمَّا ذَكَرَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَثَنَّى بِمُقَابِلِهِ وَهُوَ الْحَرَامُ ثَلَّثَ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ عَالِمًا خَفَى عِلْمُهُ عَلَى النَّاسِ فَأَرَادَ أَنْ يُشْهِرَهُ بِالْقَضَاءِ لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ وَيُرْشِدَ الْمُسْتَفْتِيَ، وَمِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إلَّا بِرِزْقِ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ وَالْمُرَادُ بِرِزْقِ الْقَاضِي الْمَجْعُولُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى الْقَضَاءِ لَا مِنْ مَالِ مَنْ حَكَمَ لَهُ بِالْحَقِّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْإِجَارَةِ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ

(ص) كَوَرِعٍ غَنِيٍّ حَلِيمٍ نَزِهٍ نَسِيبٍ مُسْتَشِيرٍ بِلَا دَيْنٍ وَحَدٍّ وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ وَبِطَانَةِ سُوءٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ وَرِعًا أَيْ تَارِكًا لِلشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَلَدِيًّا لِعِلْمِهِ بِأَحْوَالِ الشُّهُودِ عَلَى الرَّاجِحِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مَقَالَةُ السُّوءِ وَالْغَنِيَّ مَظِنَّةُ التَّنَزُّهِ عَنْ الطَّمَعِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ فَضِيلَةً؛ لِأَنَّ الْمَالَ عِنْدَ ذَوِي الدِّينِ زِيَادَةٌ لَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ لَا سِيَّمَا مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَفْتَقِرْ فَهُوَ سَارِقٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا عَلَى الْأَخْصَامِ مَا لَمْ تُنْتَهَكْ حُرْمَةُ الشَّرْعِ أَوْ يُوصِي أَحَدٌ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ نَزِهًا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزَاهَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُجْمَعُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ) أَيْ لِعِظَمِ الْأَمْرِ وَقُوَّةِ الْخَطَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَحْرُمُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ لِأَجْلِ تَوْلِيَتِهِ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ وَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ، وَلَوْ قَضَى بِالْحَقِّ وَالْحَيُّ الْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَافِعَ الرِّشْوَةِ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ وَلَوْ بِالْحَقِّ فَهُوَ أَشَرُّ حَالًا مِنْ قُضَاةِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنَّ أَحْكَامَهُمْ نَافِذَةٌ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ بِدَفْعِ مَالٍ) أَقُولُ وَلَوْ بِمَالٍ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ حَيْثُ كَانَتْ مَفْسَدَةُ عَدَمِ تَوْلِيَتِهِ أَشَدَّ مِنْ دَفْعِهِ مَالًا عَلَى تَوْلِيَتِهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فَإِنْ قُلْت الْجِهَادُ فِيهِ تَعْرِيضُ النَّفْسِ لِلتَّلَفِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِ الْإِمَامِ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّلَفَ فِي الْجِهَادِ تَعْقُبُهُ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ وَفِي الْقَضَاءِ ضَرَرٌ دَائِمٌ لِعُسْرِ التَّخَلُّفِ مِنْهُ

. (قَوْلُهُ: وَقَاصِدِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ قَصَدَ بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا) أَيْ مِنْ مُتَدَاعِيَيْنِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ لَا مِمَّا لَا هُوَ لِلْقَاضِي فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُرَتَّبٌ وُقِفَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَشْمَلَ) لِأَنَّهُ يَشْمَلُ غَيْرَ الِاثْنَيْنِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ

. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمَهُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ أَشْهَرَ وَبِفَتْحِهَا مِنْ شَهَرَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ الْآتِي إنْ شُهِرَ عَدْلًا. (قَوْلُهُ: لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ) أَيْ لَا الشُّهْرَةَ لِرِفْعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَكَذَا يُنْدَبُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَنْهَضُ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ نِظَامَ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيُنْدَبُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا يُنْتِجُ الْوُجُوبَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِعَجْزِهِ حُصُولُ مَشَقَّةٍ مِنْ تَحْصِيلِهِ لَا تَصِلُ لِحَدِّ الْوُجُوبِ. (تَنْبِيهٌ) : الْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ الْإِبَاحَةُ وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَهُ الْهَرَبُ وَذَكَرَ الْوَاجِبَ وَالْحَرَامَ وَتَرَكَ الْمَكْرُوهَ وَهُوَ إرَادَتُهُ لِلْجَاهِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ أَيْ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ عَالِيًا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا حَرُمَ قَطْعًا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَيُبَاحُ لِمَنْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ عِيَالٌ وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْفَعَ النَّاسَ وَيَخْشَى بِهِ الِانْقِطَاعَ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي كَوَرِعٍ غَنِيٍّ أَوْ يُقَالُ إنَّ مَا يَأْتِي الِاسْتِحْبَابُ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلِيفَةِ لَا بِالْقَاضِي. (قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْإِجَارَةِ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي مُرَاجَعَةُ الْجَوَاهِرِ

. (قَوْلُهُ: تَارِكًا لِلشُّبُهَاتِ إلَخْ) أَيْ أَوْ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَمَّا الْأَوْرَعُ فَهُوَ الَّذِي يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ اللَّقَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ بَلَدِيًّا لِعِلْمِهِ بِأَحْوَالِ الشُّهُودِ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ لِيَعْرِفَ الْمَقْبُولِينَ وَالْمَسْخُوطِينَ مِنْ الشُّهُودِ وَيَعْرِفَ حَالَ الْمُحَقِّقِ وَالْمُبْطِلِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ الْبَلَدِيِّ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْأَوْلَى غَيْرُ الْبَلَدِيِّ عَلَى الْبَلَدِيِّ أَيْ لِئَلَّا يَفْرِضَ لِبَعْضِهِمْ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَلَدِيًّا لَا يَخْلُو عَنْ أَعْدَاءٍ وَأَصْدِقَاءٍ. (قَوْلُهُ: مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَفْتَقِرْ) أَيْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ أَثَرُ الْفَقْرِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015