الصُّغْرَى شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِهَا فِيهِمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَمَسْحُ الْجَبَائِرِ فَقَالَ (فَصْلٌ فِي مُتَعَلِّقَاتِ التَّيَمُّمِ) مِنْ أَعْذَارٍ نَاقِلَةٍ إلَيْهِ وَمُتَيَمَّمٍ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَلَمْ يَجِدْهُ ابْنُ عَرَفَةَ شَرْعًا وَنَقَلَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَانَ جَلِيًّا لَمْ أَجِدْهُ اهـ.
وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ زَادَ ابْنُ نَاجِي تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَزَادَ التَّادَلِيُّ بَعْدَ قَوْلِنَا طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمَا تُرَابِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ عَلَى الْجِيرِ وَغَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ وَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِمَا كَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ ضَرُورِيَّةٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ اهـ.
وَقَوْلُهُ عَلَى الْجِيرِ يُرِيدُ قَبْلَ طَبْخِهِ كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالتُّرَابِ جِنْسُ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَعَمُّ لَا خُصُوصُ التُّرَابِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا وَالتَّيَمُّمُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَقَسْمُ الْغَنَائِمِ وَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَالْوُضُوءُ عَلَى مَا مَرَّ وَالسِّوَاكُ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَذَا سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» وَالسُّحُورُ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْوَطْءُ لَيْلًا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَانَ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا بَعْدَ النَّوْمِ وَكَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَبَدَأَ الْمُؤَلِّفُ بِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّيَمُّمِ مُعَبِّرًا بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ فَقَالَ
(ص) يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ وَسَفَرٍ أُبِيحَ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ سَفَرًا جَائِزًا وَلَوْ قَصَرَ لِلْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ اسْتِقْلَالًا وَتَبَعًا وَيَتَيَمَّمُ مَائِدُ الْبَحْرِ الَّذِي لَا يَمْسِكُ نَفْسَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَكَذَا مَنْ خَشِيَ الْمَرَضَ مِنْ صَحِيحٍ مُقِيمٍ وَكَذَا مَنْ عَظُمَتْ بَطْنُهُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ تَنَاوُلَ الْمَاءِ وَلَا يَجِدَ
(فَصْلُ التَّيَمُّمِ)
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الْجَبَائِرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى التَّيَمُّمِ وَأَرَادَ بِالْجَمِيعِ الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ فَالْكُلُّ بِالنَّظَرِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْأَكْثَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَبَائِرِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي إنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ أَوْ أَقَلُّهُ وَلَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ وَقَوْلُنَا الْأَكْثَرُ بِالنَّظَرِ لِلْجَبَائِرِ أَيْ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الصُّوَرِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا يَنُوبُ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي النَّائِبِ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ جَلِيًّا لَمْ أَحُدَّهُ) إنْ أَرَادَ الْهَيْئَةَ الْمُشَاهَدَةَ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ الْحَقِيقَةَ فَلَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَطَّابِ (قَوْلُهُ: طَهَارَةٌ) لَمْ يُرِدْ بِالطَّهَارَةِ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ بَلْ أَرَادَ بِهَا الْهَيْئَةَ الْمُحْتَوِيَةَ عَلَى مَسْحٍ وَنِيَّةٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَهَذَا إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ يُفِيدُهُ بَعْضُ حَوَاشِي التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: زَادَ ابْنُ نَاجِي إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ نَاجِي لَمْ يُعَرِّفْ بِهَذَا التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَلْ قَالَ فِي تَعْرِيفِهِ طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَزَادَ التَّادَلِيُّ بَعْدَ قَوْلِنَا طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمَا تُرَابِيَّةٌ إلَخْ فَقَوْلُهُ اهـ أَيْ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي فَإِذَا عَلِمْت كَلَامَ ابْنِ نَاجِي ظَهَرَتْ لَك هَذِهِ الْعِبَارَةُ فَضَمِيرُ شَيْخِنَا لِابْنِ نَاجِي لِأَنَّ الشَّبِيبِيَّ شَيْخَ ابْنِ نَاجِي وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِنَا أَيْ مَعْشَرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ مَسْبُوقٌ بِهِ ابْنُ نَاجِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: زَادَ الثَّانِي فِعْلٌ مَاضٍ مَفْعُولُهُ لَفْظَتَانِ: تُرَابِيَّةٌ وَضَرُورِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمَا أَيْ التَّادَلِيِّ وَالشَّبِيبِيِّ وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَا يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِمَا إلَخْ وَيَتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ الْقَدِيمُ وَهُوَ طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَأَمَّا زَادَ الْأَوَّلُ فَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ لَفْظُ طَهَارَةٍ فَقَطْ وَهُوَ لَيْسَ التَّعْرِيفَ الْقَدِيمَ بَلْ هُوَ طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالتُّرَابِ جِنْسُ الْأَرْضِ) شُرُوعٌ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُمْ صَلَاةً عَلَى الْجِنَازَةِ لَكِنْ لَا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَكَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ كَالتَّوْضِيحِ يُنَافِيهِ فَقَدْ قَالَ وَهُوَ أَيْ التَّيَمُّمُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ وَكَذَا الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْغَنَائِمُ وَفِي ك وَأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَقَسْمُ إلَخْ فَهَذَا يُنَافِيهِ فَالظَّاهِرُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ لِإِيهَامِهَا وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِانْصِبَابِ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِقَيْدِهِ لَا عَلَى الْقَيْدِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (قَوْلُهُ: وَقَسْمُ الْغَنَائِمِ) قَدْ كَانَتْ الْغَنَائِمُ لَا يَحِلُّ لِمَنْ قَبْلَنَا تَنَاوُلُهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا بَلْ إنْ قُبِلَتْ نَزَلَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهَا وَإِلَّا بَقِيَتْ إلَى أَنْ تَذْهَبَ وَتَبْلَى وَقَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِ الطَّاعَةِ (قَوْلُهُ: وَالْوُضُوءُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ قَائِلًا وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ لَا بِالْوُضُوءِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِي ك.
(قَوْلُهُ: وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ لَا أُمَمِهِمْ (قَوْلُهُ: وَالسُّحُورُ إلَخْ) أَيْ وَنُدِبَ السُّحُورُ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْلُ) أَيْ وَجَوَازُ الْأَكْلِ وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْغُسْلُ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ لَا لِأُمَمِهَا (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُبَاحُ) أَيْ يَجِبُ وُجُوبًا عَزْمِيًّا أَوْ وُجُوبًا تَرْخِيصِيًّا فَالتَّيَمُّمُ وَاجِبٌ وَالْخِلَافُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْعَزَائِمِ أَوْ وُجُوبَ الرُّخَصِ اهـ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَجِبُ وُجُوبًا تَرْخِيصِيًّا هَذَا مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّارِحِ مُعَبِّرًا بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ وَالْحَقُّ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِبَاحَةِ الْإِذْنُ الشَّامِلُ لِلْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَتَبَيَّنُ مِنْ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَصُرَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا لَمْ تُقْصَرْ فِيهِ الصَّلَاةُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ خَشِيَ الْمَرَضَ إلَخْ) يُمْكِنُ دُخُولُ هَذِهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ قَالَ بَعْضٌ وَعُدُولُ الْمُؤَلِّفِ عَنْ مَرِيضِ الْأَخْصَرِ إلَى قَوْلِهِ: ذُو مَرَضٍ لِيَشْمَلَ