وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُقِرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِدَيْنٍ وَلَوْ وَكَّلَهُ عَلَى الْخِصَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُ وَكَالَةً مُفَوِّضَةً أَوْ يَجْعَلُ لَهُ عِنْدَ عَقْدِ الْوَكَالَةِ أَنْ يُقِرَّ عَنْهُ فَلِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ أَنْ يُقِرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِمَا يُشْبِهُهُ وَلَمْ يُقِرَّ لِمَنْ يَتَّهِمُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ نَوْعِ تِلْكَ الْخُصُومَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ فَأَكْثَرَ وَعَلَيْهِ فَلَهُ عَزْلُهُ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَيْ إذَا أَعْلَنَ بِعَزْلِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَامِ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ سِرًّا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ وَيَلْزَمُهُ مَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْخِصَامِ لَكَانَ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ وَلِلْوَكِيلِ عَزْلُ نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ بِهَذَا فِي آخِرِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ لَا تَلْزَمُ أَوْ إنْ وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جَعَلَ فَكَّهُمَا وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ تَرَدُّدٌ.

(ص) وَلِخَصْمِهِ اضْطِرَارُهُ إلَيْهِ (ش) الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُنَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَالضَّمِيرُ فِي خَصْمِهِ يَرْجِعُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَالضَّمِيرُ فِي اضْطِرَارِهِ يَرْجِعُ لِلْوَكِيلِ وَالضَّمِيرُ الْمَخْفُوضُ بِإِلَى يَرْجِعُ إلَى الْإِقْرَارِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَهُ أَنْ يَضْطَرَّ الْوَكِيلُ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْمُوَكِّلُ الْإِقْرَارَ ثُمَّ يُخَاصِمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ وَلِخَصْمِ الْمُوَكِّلِ اضْطِرَارُهُ أَيْ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَكِيلِ الْإِقْرَارَ

(ص) قَالَ وَإِنْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِأَلْفٍ فَإِقْرَارٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَازِرِيَّ قَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ أَقِرَّ عَنِّي بِأَلْفٍ لِزَيْدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارُهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِزَيْدٍ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ الْوَكِيلِ الْإِقْرَارَ بِذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُ الْمُوَكِّلُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ وَعَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْهُ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ شَاهِدًا عَلَيْهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أُبْرِئُ فُلَانًا مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَذَا يَظْهَرُ

(ص) لَا فِي كَيَمِينٍ وَمَعْصِيَةٍ كَظِهَارٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ كَمَا مَرَّ لَا فِي الْأَيْمَانِ لِأَنَّهَا أَعْمَالٌ بَدَنِيَّةٌ وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ وَلَا عَلَى الْمَعَاصِي كَالظِّهَارِ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَمِثْلُهُ الْغَصْبُ وَالْقَتْلُ الْعُدْوَانُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي فَإِنْ قِيلَ التَّوْكِيلُ عَلَى الطَّلَاقِ صَحِيحٌ وَعَلَى الظِّهَارِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَمَا الْفَرْقُ قُلْت قَالَ الْبِسَاطِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الطَّلَاقِ فِي الصِّيغَةِ أَيْ وَكَّلَهُ فِي أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَيْ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْصِيَةٌ وَأَمَّا فِي الظِّهَارِ فَلَا صِيغَةَ بَلْ فِي الْمَعْنَى فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَى مُوَكِّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ لَمْ يَقَعْ التَّوْكِيلُ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ انْتَهَى فَإِنْ قِيلَ التَّوْكِيلُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مَعْصِيَةٌ كَالظِّهَارِ مَعَ صِحَّةِ مَا ذَكَرَ قُلْت قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَعْصِيَةَ الظِّهَارِ أَصْلِيَّةٌ بِخِلَافِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ إنَّمَا هُوَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ وَهُوَ الطَّلَاقُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ تَأَمَّلْ.

(ص) بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا (ش) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إرْسَالٍ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا بُدَّ مَعَ الصِّيغَةِ مِنْ الْقَبُولِ فَإِنْ وَقَعَ بِالْقُرْبِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ طَالَ فَفِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ فَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الصِّيغَةِ عُرْفًا وَيَدُلُّ عَلَيْهَا لُغَةً لَا يَكُونُ مِنْ صِيغَتِهَا وَلِذَا قَالَ لَا بِمُجَرَّدِ وَكَّلْتُك فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهَا لُغَةً لَا عُرْفًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَشْمَلُ الْإِشَارَةَ مِنْ النَّاطِقِ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ

(ص) لَا بِمُجَرَّدِ وَكَّلْتُك بَلْ حَتَّى يُفَوَّضَ (ش) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ وَكَّلْتُك أَوْ فُلَانٌ وَكِيلِي لَا يُفِيدُهُ وَتَكُونُ وَكَالَةً بَاطِلَةً بَلْ حَتَّى يَقُولَ فَوَّضْت إلَيْك أُمُورِي فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ يُفِيدُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى عَدَمِ إفَادَةِ الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِثْلُ الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ صَحِيحَةٌ وَيَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِلْيَتِيمِ كَوَكَالَةِ التَّفْوِيضِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَرِينَةُ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْيَتِيمَ مُحْتَاجٌ لَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ نَوْعِ تِلْكَ الْخُصُومَةِ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا كَانَ يُخَاصِمُهُ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثَمَنُ سِلْعَةٍ مَثَلًا فَيُقِرُّ بِأَنَّهُ كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْهُ كِتَابًا وَادَّعَى تَلَفَهُ

(قَوْلُهُ اضْطِرَارُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْخُصُومَةِ بَعْدُ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ الْمُوَكِّلُ الْإِقْرَارَ

(قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ التَّوْكِيلِ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَصْدُرُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ فِي الطَّلَاقِ تَوْكِيلٌ فِي الصِّيغَةِ وَيَلْزَمُ مِنْهَا التَّوْكِيلُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا قُلْنَا تَوْكِيلٌ فِي الصِّيغَةِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ هِيَ الصَّادِرَةُ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَمَّا فِي الظِّهَارِ فَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيلٌ فِي الْمَعْنَى أَيْ فِي وُقُوعِ الظِّهَارِ لَا فِي الصِّيغَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَهِيَ أَنْتِ عَلَى مُوَكِّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ هِيَ الصَّادِرَةُ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي الظِّهَارِ صِيغَةً إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَوْكِيلٌ فِيهَا لِمَا عَلِمْت فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ لَا تَخْتَصُّ بِالصِّيغَةِ) تَجُوزُ بِالصِّيغَةِ عَنْ مُطْلَقِ الْأَمْرِ الدَّالُ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْرِ الدَّالِ الْمُصَوَّرِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إرْسَالٍ أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَوْلُهُ أَوْ إرْسَالٍ بِأَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ لَهُ مَتَاعَهُ يَكُونُ الْقَصْدُ التَّوْكِيلُ فِي بَيْعِهِ (قَوْلُهُ وَالْعَادَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ فَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الصِّيغَةِ) الْمُنَاسِبُ الْوَكَالَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ مَدْلُولَةً (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا لُغَةً) بَلْ قَدْ يُقَالُ يَدُلُّ عَلَيْهَا عُرْفًا وَلُغَةً وَإِنَّمَا فِي عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ) ذَهَبَ إلَيْهِ عب فِي شَرْحِهِ فَقَالَ وَلَا تَصِحُّ إشَارَةٌ مِنْ نَاطِقٍ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِشَارَةُ مُفْهِمَةً لِلتَّوْكِيلِ فَهْمًا وَاضِحًا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015