عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ كُلُّ جِهَةٍ مُنْفَرِدَةٍ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَبَيْنَ اجْتِمَاعِهِمَا مَعًا فِي كِلَا الْجِهَتَيْنِ فَقَوْلُهُ وَدِرْهَمٍ عَطْفٌ عَلَى مِائَةٍ لَا عَلَى دِينَارٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ صُلْحًا وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ ظَاهِرٌ حَيْثُ صَالَحَ بِمُعَجَّلٍ مُطْلَقًا أَوْ بِمُؤَجَّلٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ اُمْتُنِعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ.

(ص) وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْهَا بِالْمَالِ وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ ابْنِ نَاجِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ حَيْثُ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ.

(ص) أَوْ السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ إنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ وَظَاهِرُ الْحُكْمِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى السُّكُوتِ جَائِزٌ مِثْلَ أَنَّ يَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ فَيَسْكُتُ فَيُصَالِحُهُ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَكَذَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِاعْتِبَارِ عَقْدِهِ وَأَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرُ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ الْيَمِينِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي الثَّانِي أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ السَّاكِتَ أَوْ الْمُنْكِرَ يُقِرُّ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةُ فَسَادٍ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَاعْتَبَرَ أَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ مِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا مَعًا وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أَنْ يَدَّعِيَ بِدَرَاهِمَ حَالَّةٍ فَأَنْكَرَهَا أَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ حَالٍّ وَمِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ فَقَطْ أَنْ يَدَّعِيَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ ثُمَّ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهَا إلَى شَهْرٍ أَوْ عَلَى خَمْسِينَ يَدْفَعُهَا لَهُ عِنْدَ حُلُولِ الشَّهْرِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَّرَ صَاحِبَهُ أَوْ أَسْقَطَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ وَأَخَّرَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اقْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ بِمَا الْتَزَمَ أَدَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ.

وَالْمَنْفَعَةُ هِيَ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ حَلِفِهِ فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَجَائِزٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ فَيَعْتَرِفُ بِالطَّعَامِ وَيُنْكِرُ الدَّرَاهِمَ فَيُصَالِحُهُ عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ يَعْتَرِفُ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُصَالِحُهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَيُفْسَخُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيُنْكِرُهَا ثُمَّ يَصْطَلِحَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ كُلُّ جِهَةٍ) أَيْ جِهَةِ الْمُصَالِحِ بِالْكَسْرِ وَالْمُصَالَحِ بِالْفَتْحِ وَقَوْلُهُ مُنْفَرِدَةً بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ وَقَوْلُهُ وَبَيْنَ اجْتِمَاعِهِمَا أَيْ النَّقْدَيْنِ مَعًا فِي كِلَا الْجِهَتَيْنِ أَيْ جِهَةِ الْمُصَالِحِ بِالْكَسْرِ وَالْمُصَالَحِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا فَكُلُّ جِهَةٍ فِيهَا النَّقْدَانِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ) أَيْ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَالسَّلَفُ هُوَ التَّأْخِيرُ وَالنَّفْعُ هُوَ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَوَازَ يَتَعَلَّقُ بِالصُّلْحِ) أَيْ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ الِافْتِدَاءُ عَنْ يَمِينٍ بِمَالٍ وَيُعَدُّ ذَلِكَ الِافْتِدَاءُ صُلْحًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ إذْلَالَ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ» وَرُدَّ بِأَنَّ فِي صُلْحِهِ إعْزَازَ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَرْجُوحَةٌ سِيَّمَا كَثْرَتِهَا.

(قَوْلُهُ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ) مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَى كُلٍّ وَإِطْلَاقُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ مَجَازٌ إذْ مَعْنَاهُ قَالَ لَيْسَ عِنْدِي مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيَّ (قَوْلُهُ عَلَى السُّكُوتِ) أَيْ عَلَى مُقْتَضَى السُّكُوتِ وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ حَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِحُ الشَّرْطَ رَاجِعًا لِلسُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ يَكُونُ السُّكُوتُ حُكْمَهُمَا مَعًا وَقَدْ وَجَّهَهُ عب وَلَكِنْ الْمُعْتَمَدُ تَرْجِيعُ الشَّرْطِ لِلْإِنْكَارِ فَقَطْ (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ عَقْدِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ صَوَابُهُ أَوْ سَكَتَ (قَوْلُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةُ فَسَادٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حُكْمَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ أَوْ حَلِفِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْيَمِينِ وَضَمِيرُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَيَسْقُطُ إلَخْ مُتَرَتِّبٌ عَلَى حَلِفِهِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَنْتَفِعُ بِسُقُوطِ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى حَلِفِهِ سُقُوطُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ عَدَمُ سُقُوطِ مَالِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ سُقُوطُ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَبَبًا فِي عَدَمِ سُقُوطِ الْمَالِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَمَا أَفَادَهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ السَّقُوطَانِ مَعًا لَا أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِأَوْ (قَوْلُهُ فَيَعْتَرِفُ بِالطَّعَامِ) لَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ عَلَى حَسَبِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَعَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَقَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ أَيْ إذَا صَالَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ أَيْ بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَفِيهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَقَوْلُهُ وَالصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ أَيْ إذَا صَالَحَ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015