وَأَمَّا كِرَاؤُهُ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ وَبِمَا قَرَّرْنَا عُلِمَ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِيمَا زَادَ عَلَى تَزَوُّجِهِ عَلَى الْوَاحِدَةِ لَا فِي الْأَرْبَعِ وَأَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ لَا فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَطْلَقَ عَلَى حَجَّةِ الْفَرْضِ تَطَوُّعًا أَمَّا لِعُسْرِهِ بِمَالِ الْغُرَمَاءِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي، وَالتَّرَدُّدِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَجَّةُ التَّطَوُّعِ مَمْنُوعَةٌ اتِّفَاقًا، وَالنَّصُّ لِمَالِكٍ لَا يَحُجُّ الْفَرِيضَةَ، وَالتَّرَدُّدُ هُنَا لِابْنِ رُشْدٍ فِيهِمَا وَيُشْبِهُ هَذَا الْمَحَلُّ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَفِي بَيْعِ آلَةِ الصَّانِعِ تَرَدُّدٌ مِنْ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ.
(ص) وَفُلِّسَ حَضَرَ، أَوْ غَابَ (ش) هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ فِي التَّفْلِيسِ الْخَاصِّ، أَيْ: وَجَازَ تَفْلِيسُهُ حَضَرَ، أَوْ غَابَ رَدًّا عَلَى عَطَاءِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ حُرْمَةِ الْمِدْيَانِ وَإِذْلَالُهُ، وَأَمَّا إنَّهُ يَجِبُ إذَا لَمْ تَتَوَصَّلْ الْغُرَمَاءُ لِدُيُونِهِمْ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَذَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا لِذَاتِ التَّفْلِيسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِهِ جَائِزٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ، وَقَوْلُهُ: حَضَرَ أَوْ غَابَ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا مِثْلُ اضْرِبْ زَيْدًا ذَهَبَ، أَوْ جَلَسَ، أَيْ: اضْرِبْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَيْ: فُلِّسَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبَعْضُهُمْ يُقَدِّرُ الشَّرْطَ فِي مِثْلِ هَذَا، أَيْ: إنْ حَضَرَ أَوْ غَابَ، أَيْ: عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَوْلُهُ: حَضَرَ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ غَابَ غَيْبَةً قَرِيبَةً لَكِنْ بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ وَقَوْلِهِ، أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً كَمَنْ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَقَوْلُهُ:
(ص) إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ (ش) فَإِنْ عُلِمَ لَمْ يُفَلَّسْ شُرِطَ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَعِيدَةِ فَيُفَلِّسُهُ وَإِنْ عُلِمَ مَلَاؤُهُ وَبِهَذَا يَنْطَبِقُ كَلَامُهُ عَلَى الْغَيْبَاتِ الثَّلَاثِ وَمَعْنَى عُلِمَ الْمَلَاءُ أَنْ يَخْرُجَ وَهُوَ مَلِيءٌ فَيَسْتَصْحِبُ مَلَاءَهُ وَغَيْبَةُ مَالِهِ كَغَيْبَتِهِ اُنْظُرْ الشَّرْحَ الْكَبِيرَ
(ص) بِطَلَبِهِ وَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ دَيْنًا حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ، أَوْ بَقِيَ مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ يُفَلَّسُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَطْلُبَهُ أَرْبَابُ الدُّيُونِ بِدُيُونِهِمْ الْحَالَّةِ كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَيَأْبَى الْبَعْضُ، وَإِذَا فَلَّسَ الْبَعْضُ فَلِلْآخَرِينَ مُحَاصَّةُ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ تَفْلِيسَهُ لِوَاحِدٍ تَفْلِيسٌ لِلْجَمِيعِ. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمَطْلُوبُ تَفْلِيسُهُ بِهِ قَدْ حَلَّ أَصَالَةً، أَوْ لِانْتِهَاءِ أَجَلِهِ إذْ لَا حَجْرَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْحَالُّ زَائِدًا عَلَى مَالِ الْمُفَلَّسِ إذْ لَا حَجْرَ بِالدَّيْنِ الْمُسَاوِي، أَوْ بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ الْحَالِّ مَا لَا يَفِي بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مَثَلًا عَلَيْهِ مِائَتَانِ مِائَةٌ حَالَّةٌ وَمِائَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَمَعَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَالْبَاقِي بَعْدَ وَفَاءِ الْمِائَةِ الْحَالَّةِ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيُفَلَّسُ وَلَوْ أَتَى بِحَمِيلٍ، وَأَحْرَى إنْ لَمْ يَبْقَ لِلْمُؤَجَّلِ شَيْءٌ، وَبَقِيَ شَرْطٌ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُلِدًّا وَبِعِبَارَةٍ وَإِنَّمَا يُفَلَّسُ بِطَلَبِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ إذَا تَبَيَّنَ لَدَدُهُ نَقَلَهُ الطِّخِّيخِيُّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ قُلْت: الْغَائِبُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ قُلْت الْغَائِبُ حَيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ الْوَلَدُ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ النِّصْفَ (قَوْلُهُ: وَحَجَّةُ التَّطَوُّعِ مَمْنُوعَةٌ اتِّفَاقًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَحَجَّةُ الْفَرْضِ مَمْنُوعَةٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ الْفَرْضَ (قَوْلُهُ: وَالنَّصُّ لِمَالِكٍ لَا يَحُجُّ الْفَرِيضَةَ) هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّرَدُّدُ إلَخْ) بِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَاخْتُلِفَ إلَخْ الْمُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ لَا يَظْهَرُ مَعَ هَذَا؛ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ فَمَعْنَاهُ التَّحَيُّرُ.
[التَّفْلِيسِ الْخَاصِّ]
(قَوْلُهُ: كَمَنْ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) ، أَيْ: وَالْبَعِيدَةُ شَهْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ) بِأَنْ عُلِمَ عَدَمُهُ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ، وَالْمَلَاءُ بِالْمَدِّ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا بِالْهَمْزِ، وَالْقَصْرِ فَالْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَشْرَافًا وَبِالْقَصْرِ بِدُونِ هَمْزٍ الْأَرْضُ الْمُتَّسَعَةُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عُلِمَ لَمْ يُفْلِسْ) وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُهُ حِينَ التَّفْلِيسِ، وَإِلَّا فُلِّسَ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ فَالْغَيْبَةُ عِنْدَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعِيدَةٌ وَقَرِيبَةٌ فَالْقَرِيبَةُ كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حُكْمُهُ فِيهَا كَالْحَاضِرِ فَيُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ، وَالْبَعِيدَةُ يُفَلَّسُ فِيهَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ، أَيْ: حِينَ سَفَرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامُ، أَوْ الشَّهْرُ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَغَيْبَةُ مَالِهِ كَغَيْبَتِهِ) فَمَنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ مَالِهِ وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ، أَوْ وُجُودِهِ فُلِّسَ وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَهُ وَفِيهِ وَفَاءٌ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُفَلَّسُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَانْظُرْ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ غَيْبَةَ رَبِّ الْمَالِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ هَلْ يَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ أَمْ لَا كَذَا فِي عج.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَقِيَ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ زَادَ، وَالْمَعْنَى زَادَ، أَيْ: الْحَالُ، أَوْ نَقَصَ عَنْهُ، أَيْ: أَوْ نَقَصَ الْحَالُ وَبَقِيَ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ مَا لَا يَفِي يُفْهِمُ التَّفْلِيسَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ التَّحْرِيكُ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّحْرِيكُ.
(قَوْلُهُ: كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ) رَاجِعٌ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ، أَيْ: أَرْبَابِ الدُّيُونِ كُلِّهِمْ، أَوْ بَعْضِهِمْ، وَأَمَّا الدُّيُونُ فَكُلُّهَا حَالَّةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ فَلَا يَجُوزُ تَفْلِيسُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّقْسِيطِ فَيَجُوزُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ أَحَدٍ فَإِذَا رَفَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَمْرَهُ لِلْقَاضِي وَأَثْبَتَ عَجْزَهُ عَنْ قَضَاءِ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ وَكَتَبَ لَهُ وَثِيقَةً بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِقْدَارٌ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ جَائِزًا صَحِيحًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ بِخِلَافِ الْفَلَسِ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالتَّقْسِيطِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَدِينُ التَّفْلِيسَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْحَجَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْفَلَسَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ: فَالْبَاقِي إلَخْ) هَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ وَطَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ إذَا كَانَتْ مُؤَجَّلَةً لَمْ يُفْلِسْ بِهَا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَفْلِيسَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَازِرِيَّ يَقُولُ إذَا حَلَّ بَعْضُ الدَّيْنِ وَاسْتَغْرَقَ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ وَبَقِيَ مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ فَلَا يُفَلَّسُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَالُّ وَيَبْقَى الْمُؤَجَّلُ حَتَّى يَحِلَّ يُخَلَّصُ مِنْ الْبَاقِي إنْ وُجِدَ قَالَ الْمَوَّاقِ فَانْظُرْ مَا لِلْمَازِرِيِّ مَعَ كَلَامِ خَلِيلٍ، أَيْ: اُنْظُرْ لِمَ تَبِعَ اللَّخْمِيَّ دُونَ الْمَازِرِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُلِدًّا) وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ لَا يَدْفَعَ لِطَالِبِ التَّفْلِيسِ حَمِيلًا بِمَالٍ، وَإِلَّا لَمْ يُفْلِسْ