فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ عَقَارِهِ وَشَجَرِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْجَبْرِ لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَمَفْهُومُ خِيفَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ تَرَكَ لَانْبَغَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ
(ص) وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ (ش) هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكَلَامِ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّهْنَ إذَا حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إذَا ادَّعَى تَلَفَهُ، أَوْ ضَيَاعَهُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ تَلِفَ، أَوْ هَلَكَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا ضَمَانُ تُهْمَةٍ يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا إذَا كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الرَّاهِنِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ) إلَى أَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يُفِيدُهُ شَيْئًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فِي انْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنْهُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَحْوُهُ لِلْمَازِرِيِّ إنَّمَا يَحْسُنُ خِلَافُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّهْنِ الْمُشْتَرَطِ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ أَمَّا فِي رَهْنٍ مُتَطَوَّعٍ بِهِ فَلَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ تَطَوُّعَهُ بِالرَّهْنِ مَعْرُوفٌ مِنْهُ وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ فَهُوَ إحْسَانٌ عَلَى إحْسَانٍ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى إعْمَالِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ انْتَهَى وَمَا حَكَاهُ مِنْ إعْمَالِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ اتِّفَاقًا طَرِيقَةٌ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِهَا بِقَوْلِهِ وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ تَرَدُّدٌ
(ص) أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقًا (ش) هَذَا دَاخِلٌ فِي الْمُبَالَغَةِ عَلَى الضَّمَانِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّ الرَّهْنِ الْمُعْتَادِ لَهُ الَّذِي لَا يُنْقَلُ مِنْهُ عَادَةً نَعَمْ إنْ أَتَى بِبَعْضِ الرَّهْنِ مُحْرَقًا مَعَ عِلْمِ احْتِرَاقِ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ احْتِرَاقُ مَحَلِّ الرَّهْنِ فَالضَّمَانُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِ الرَّهْنِ مُحْرَقًا فَلَا يُبْرِئُهُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا مَجْمُوعُ أَمْرَيْنِ وَلَمْ يُعَرِّجْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى تَقْيِيدِ ابْنِ الْمَوَّازِ بِأَنْ يُعْلَمَ كَوْنُ النَّارِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ وَكَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ: مُحْرَقًا فَرْضُ مَسْأَلَةٍ، أَيْ: أَوْ مَقْطُوعًا، أَوْ مَكْسُورًا، أَوْ مَبْلُولًا
(ص) وَأَفْتَى بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبَاجِيَّ أَفْتَى فِيمَا إذَا عُلِمَ احْتِرَاقُ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ لِيُوضَعَ الرَّهْنُ فِيهِ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ حَيْثُ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ أَمَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ فَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ
(ص) ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ (ش) ، أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ، أَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّهُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالدُّورِ، وَالْعَبِيدِ، أَوْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، أَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ مُحْرَقًا مَعَ عِلْمِ احْتِرَاقِ مَحَلِّهِ، أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ الْمَحَلِّ الْمَوْضُوعِ فِيهِ الرَّهْنُ فَقَطْ عَلَى مَا لِلْبَاجِيِّ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ ثُبُوتَ الضَّمَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ تَلِفَ بِلَا سَبَبِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُتَّهَمًا، أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ
(ص) إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ فِي دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَادَّعَى تَلَفَهُ وَلَهُ جِيرَانٌ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَا رَأَوْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ حِينَئِذٍ لِثُبُوتِ كَذِبِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ وَادَّعَى مَوْتَ الدَّابَّةِ وَكَذَّبَهُ الْعُدُولُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِمَوْتٍ، وَلَا لِدَابَّةٍ، أَيْ: فِي دَعْوَاهُ تَلَفَ مَا لَا يَضْمَنُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعُدُولِ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرُ وَانْظُرْ إذَا كَذَّبَهُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ) ، أَيْ: فَعَدَمُ الْوُجُوبِ نَظِيرُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْوَقْفِ مِنْ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الشَّجَرِ وَاجِبٌ نَعَمْ قَدْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُجُوبِ الْجَبْرُ كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَحُرِّرَ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ) ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ هُنَا الظَّنُّ فَمَا فَوْقَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.
[ضَمَانِ الرَّهْنِ]
(قَوْلُهُ: وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ) ، أَيْ: يَوْمَ الْقَبْضِ، أَيْ: مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَخْ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ عَنْ التَّوْضِيحِ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ بِالضَّمَانِ يَوْمَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يُرَى عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ رُئِيَ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ الرُّؤْيَةُ ضَمِنَ عِنْدَ آخِرِ رُؤْيَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِيَدِهِ أَيْ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ، وَقَوْلُهُ: مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَانَ إنْ كَانَتْ تَامَّةً، أَوْ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ إنْ كَانَتْ نَاقِصَةً، أَيْ: إنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا بِيَدِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الشَّاهِدَ، وَالْيَمِينَ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَيْ: يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ، وَمِثْلُ دَعْوَى التَّلَفِ دَعْوَى الرَّدِّ وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ (قَوْلُهُ: وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) مَعْمُولٌ بِهِ (قَوْلُهُ: طَرِيقَةٌ إلَخْ) إنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ اتِّفَاقُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ (قَوْلُهُ: مُحْرَقًا) ، أَيْ: فِيهِ الْحَرْقُ وَقَوْلُنَا فِيهِ الْحَرْقُ جَوَابُ إشْكَالٍ يَرِدُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْرَقًا كَيْفَ يَأْتِي بِهِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِيهِ الْحَرْقُ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرَقَ يَصْدُقُ بِمَا إذَا ذَهَبَ جُمْلَةً، أَوْ فِيهِ الْحَرْقُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي مُحْرَقًا كُلُّهُ وَكَانَ فِيهِ مَا يُمَيَّزُ بِهِ وَعُلِمَ أَنَّهُ الْمَرْهُونُ وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمُتَّحِدِ، وَالْمُتَعَدِّدِ حَيْثُ أَتَى بِبَعْضِ كُلٍّ مُحْرَقًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا كَثِيَابٍ مَثَلًا وَأَتَى بِثَوْبٍ وَاحِدٍ مَثَلًا فَلَا يَكْفِي عَنْ الْبَاقِي فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ، أَيْ: إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِ كُلٍّ مُحْرَقًا (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِعَدَمِهِ إلَخْ) ضَعِيفٌ، أَيْ: أَفْتَى الْبَاجِيُّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلَفٍ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ نَحْوُ أَرْبَعِينَ أَلْفِ فَقِيهٍ وَكَانَ إذَا قَالَ لَمْ أَجِدْ نَصًّا لَا يَجِدُونَهُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّكْذِيبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولُوا بَاعَهَا وَنَحْوَهُ، أَوْ ضِمْنًا كَأَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ (قَوْلَهُ وَانْظُرْ إذَا كَذَّبَهُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ