أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَمْلٌ مُسْتَقِلٌّ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ النِّسَاءِ وَبِعِبَارَةٍ وَتَقْرِيرُ الْإِشْكَالِ أَنَّ السِّتَّةَ إنْ كَانَتْ قَاطِعَةً فَلَا يُرْجَعُ لِلنِّسَاءِ وَيُحَدُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً فَيُرْجَعُ لَهُنَّ وَلَا يُحَدُّ وَهُوَ قَدْ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إنَّهَا قَاطِعَةٌ وَيُحَدُّ وَفِي الثَّانِي يُرْجَعُ لِلنِّسَاءِ وَلَا يُحَدُّ فَأَشْكَلَ الْفَرْعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ السِّتَّةَ قَاطِعَةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهَا أَصْلٌ وَهُنَا قَدْ عَارَضَهَا ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَسُؤَالُهُنَّ شُبْهَةٌ وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى النِّكَاحِ وَعَلَى مُحَلِّلَاتِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَفَسْخٍ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَوَابِعِهِ مِنْ عِدَّةٍ وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَغَيْرِهَا وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْعِدَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدَدِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ تَوَابِعِ النِّكَاحِ وَأَسْبَابُهَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ وَأَنْوَاعُهَا قَرْءٌ وَشَهْرٌ وَحَمْلٌ، وَأَصْنَافُهَا مُعْتَادَةٌ وَآيِسَةٌ وَصَغِيرَةٌ وَمُرْتَابَةٌ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَوْ بِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ.
فَقَالَ (بَابٌ فِي بَيَانِ مَا ذُكِرَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ إحْدَادٍ وَغَيْرِهِ) وَعَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الْعِدَّةَ بِقَوْلِهِ: مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ فَيَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً نِكَاحَ غَيْرِهَا إنْ قِيلَ هُوَ عِدَّةٌ وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُ الرَّجُلِ قِيلَ مُدَّةُ مَنْعِ الْمَرْأَةِ وَبَدَأَ الْمُؤَلِّفُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَبِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَرْءُ فَقَالَ (ص) تَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَإِنْ كِتَابِيَّةً (ش) إنَّمَا ذَكَرَ الْحُرَّةَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَذْهَبِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ أَيْ إذَا طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ أَوْ أَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ طَلَاقِ ذِمِّيٍّ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَافِرٌ فَلَا نَعْرِضُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَلَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَى تَرَبُّصِ الْكَافِرَةِ إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ إذَا كَانَ طَلَاقَ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنَّمَا أُقِرَّ عَلَيْهَا إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ (ص) أَطَاقَتْ الْوَطْءَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحُرَّةَ الْمُطِيقَةَ لِلْوَطْءِ إذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ حَيْثُ أَطَاقَتْ الْوَطْءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِعَدَمِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا لَا إنْ لَمْ تُطِقْهُ فَلَا تُخَاطَبُ بِهَا وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ حَمْلِهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا كَالْجَرْحِ.
(ص) بِخَلْوَةِ بَالِغٍ غَيْرِ مَجْبُوبٍ (ش) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَالِغَ غَيْرَ الْمَجْبُوبِ إذَا خَلَا بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةً يُمْكِنُ فِيهَا الْجِمَاعُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ تَنْزِيلًا لِلْخَلْوَةِ مَنْزِلَةَ الدُّخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّتُهُ فَإِنْ اخْتَلَى الْبَالِغُ بِزَوْجَتِهِ خَلْوَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا كَمَا يَأْتِي وَاحْتَرَزَ بِالْبَالِغِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا خَالَعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَإِنَّ وَطْأَهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً عَلَى زَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَجْبُوبٍ مِنْ الْمَجْبُوبِ الْبَالِغِ الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يُوجِبُ عَلَى زَوْجَتِهِ عِدَّةً تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَأَمَّا الْخَصِيُّ الْقَائِمُ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ وَطْأَهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ إذَا طَلَّقَهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
(ص) أَمْكَنَ شَغْلُهَا مِنْهُ وَإِنْ نَفَيَاهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا خَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا خَلْوَةً يُمْكِنُ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَصْلِهِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَدْ قَالَ فِي الْأَوَّلِ إنَّهَا قَاطِعَةٌ) أَيْ قَالَ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ حَاصِلَ قَوْلِهِ فَبَطْنَانِ أَنَّ السِّتَّةَ قَاطِعَةٌ وَيُحَدُّ (قَوْلُهُ وَعَلَى مُحَلِّلَاتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحَلِّلُ النِّكَاحَ أَيْ يُزِيلُهُ.
(قَوْلُهُ وَأَصْنَافُهَا) الْمُنَاسِبُ عَلَى الْعِدَّةِ وَأَصْحَابُهَا
(قَوْلُهُ مُدَّةُ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً نِكَاحَ غَيْرِهَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ، وَقَوْلُهُ: " نِكَاحَ غَيْرِهَا " مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهَا ثُمَّ إنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى دُخُولِ هَذِهِ فِيهِ قُصُورٌ إذْ تَدْخُلُ بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي قِيلَ إنَّ الرَّجُلَ يَعْتَدُّ فِيهَا كَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَلَوْ قَالَ وَنَحْوِهِ لَكَانَ أَوْلَى قَالَ الْحَطَّابُ وَيَظْهَرُ أَنَّ فِي حَدِّهِ لِلْعِدَّةِ دَوْرًا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مُدَّةِ مَنْعِ النِّكَاحِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةً فَالْأَوْلَى تَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي جُعِلَتْ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ مُدَّةِ مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ النِّكَاحِ إذَا طَلَّقَ الرَّابِعَةَ أَوْ أُخْتَ زَوْجَتِهِ أَوْ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِدَّةً فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهُ فِي حَقِيقَةِ الْعِدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ إنْ قِيلَ هُوَ عِدَّةٌ) وَالرَّاجِحُ أَنَّ إطْلَاقَ الْعِدَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ) الْمُنَاسِبُ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ تَعْتَدُّ حُرَّةٌ) أَيْ تَحِيضُ بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي أَيْ تَعْتَدُّ مِنْ طَلَاقٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُقَدَّرٍ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْمَفْقُودِ.
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَى تَرَبُّصِ الْكَافِرَةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْفَرْدَيْنِ الدَّاخِلَيْنِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً.
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا وَلَا عَلَى الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا يُخْشَى مِنْهَا الْحَمْلُ
(قَوْلُهُ بِخَلْوَةِ بَالِغٍ) أَيْ خَلْوَةِ زِيَارَةٍ أَوْ خَلْوَةِ اهْتِدَاءٍ وَلَوْ مَرِيضًا مُطِيقًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَائِمَةً (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمُطِيقَةِ دُونَ وَطْءِ الصَّغِيرِ لِلْبَالِغَةِ هُوَ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْحَمْلِ مِنْ وَطْئِهِ دُونَ وَطْئِهَا فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ رَأَى جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُ مُمْكِنٍ عَقْلًا وَعَادَةُ الْحَمْلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الْمُطِيقَةِ لِلْوَطْءِ فَعَدَمُ حَمْلِهَا عَادِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ وَهَذَا الْفَرْقُ مَعَ التَّنَزُّلِ وَإِلَّا فَالْعِدَّةُ فِيهَا شَائِبَةُ تَعَبُّدٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخَصِيُّ الْقَائِمُ الذَّكَرِ إلَخْ) وَسَكَتَ عَنْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ قَائِمِ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَجْبُوبٌ مَعَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْخَصِيُّ مُتَعَارِضٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ ذَكَرُهُ أَوْ أُنْثَيَاهُ يُولَدُ لَهُ إلَخْ
(قَوْلُهُ أَمْكَنَ شَغْلُهَا مِنْهُ) بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا مَعَ اتِّبَاعِ ثَانِيهِ وَتَسْكِينِهِ أَفَادَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ صِفَةٌ لِحُرَّةٍ أَوْ خَلْوَةٍ مَعَ تَقْدِيرِ الْعَائِدِ أَيْ أَمْكَنَ شَغْلُهَا فِيهَا وَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ أَيْ