لَا يَطَأُ وَاسْتَثْنَى أَنَّهُ مُولٍ وَحُمِلَتْ عَلَى مَا إذَا رُوفِعَ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَأُورِدَ: لَوْ كَفَّرَ عَنْهَا وَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَفُرِّقَ بِشِدَّةِ الْمَالِ وَبِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحَلِّ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ مُولٍ وَلَهُ الْوَطْءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَاسْتُشْكِلَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مُولِيًا وَقَدْ اسْتَثْنَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ حَلٌّ لِلْيَمِينِ أَوْ رَافِعٌ لِلْكَفَّارَةِ وَحُمِلَ قَوْلُ الْإِمَامِ فِيهَا لِيَزُولَ إشْكَالُهَا عَلَى مَا إذَا رَفَعَتْهُ زَوْجَتُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ حَلَّ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّبَرُّكَ وَالتَّأْكِيدَ، وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ ثُمَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِ الْإِيلَاءِ وَلَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِ الْإِيلَاءِ وَإِنَّمَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينٍ أُخْرَى أَنَّ الْيَمِينَ تَرْتَفِعُ عَنْهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَنْ يَمِينِ الْإِيلَاءِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُتَّهَمْ كَمَا اُتُّهِمَ فِي الْأُولَى؟ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ أَتَى بِأَشَدِّ الْأُمُورِ عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ إخْرَاجُ الْمَالِ فَكَانَ أَقْوَى فِي رَفْعِ التُّهْمَةِ وَمِثْلُهُ فِي الشِّدَّةِ الصَّوْمُ فَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى فِي رَفْعِ التُّهْمَةِ وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَيْسَ بِشَدِيدٍ عَلَى النَّفْسِ بَلْ مُجَرَّدُ لَفْظٍ لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَفُرِّقَ أَيْضًا بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحْتَمِلُ حَلَّ الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَالتَّأْكِيدَ فَلِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي إرَادَتِهِ حَلَّ الْيَمِينِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ الَّتِي هِيَ إخْرَاجُ الْمَالِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ حَلِّ الْيَمِينِ بِلَا شَكٍّ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ لِيَمِينٍ أُخْرَى بَعِيدٌ فَالتُّهْمَةُ فِي الْكَفَّارَةِ بَعِيدَةٌ وَفِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصْدِيقِهَا لَهُ فِي إرَادَةِ الْحَلِّ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَيَرْجِعُ لِشِدَّةِ الْمَالِ فَيَبْطُلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُجَرَّدُ لَفْظٍ لَا كُلْفَةَ فِيهِ لَا يُقَالُ الْمُرَافَعَةُ خَاصَّةٌ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّا نَقُولُ الْيَمِينُ هُنَا وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ لَكِنَّهَا آيِلَةٌ إلَى الطَّلَاقِ.
وَلَمَّا كَانَ الظِّهَارُ شَبِيهًا بِالْإِيلَاءِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمِينٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ وَيَرْفَعُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَكَانَا طَلَاقًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ تَفَارَقَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ أَعْقَبَهُ بِالْإِيلَاءِ فَقَالَ:
(بَابٌ) يُذْكَرُ فِيهِ رَسْمُ الظِّهَارِ وَأَرْكَانِهِ وَكَفَّارَتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَالظِّهَارُ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ، وَالرُّكُوبَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الظَّهْرِ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَ أَحَدُهُمْ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ فَتَصِيرُ لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً تَنْكِحُ غَيْرَهُ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ حِينَ جَادَلَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاخْتَلَفَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ طَلُقَتَا أَيْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتُشْكِلَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) وَأَيْضًا كَيْفَ يَكُونُ مُولِيًا وَيَطَأُ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا رَفَعَتْهُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ الْقَاضِي الْمُفْتِيَ إذَا أَتَى عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَهُنَا لَمْ يَأْتِ وَيُجَابُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ وَطْئِهَا جَعَلَ تِلْكَ النِّيَّةَ مُخَالِفَةً لِلظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّبَرُّكَ وَالتَّأْكِيدَ) لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ حَلَّ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ صُدِّقَ) فَكَانَ الْوَاجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا إمَّا بِحُكْمِ هَذِهِ أَوْ بِحُكْمِ هَذِهِ وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ مِنْ غَيْرِ فَارِقٍ (قَوْلُهُ: وَفُرِّقَ إلَخْ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ فِي الْأَجْسَامِ وَتَخْفِيفِهَا فِي الْمَعَانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: 130] وَنُقِضَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعام: 159] (قَوْلُهُ: وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ صَرْفِ الْكَفَّارَةِ عَنْ يَمِينِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَالْأَصْلُ عَدَمُ يَمِينٍ ثَانِيَةٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَا كَفَّارَةَ فَلَا شِدَّةَ تَلْحَقُهُ وَيُبْحَثُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الرَّفْعِ كَانَ قَضِيَّتُهُ الْكَفَّارَةَ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ لَا كَفَّارَةَ.
(بَابُ الظِّهَارِ) (قَوْلُهُ: وَكَانَا طَلَاقًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ) مَعْطُوفٌ عَلَى " يَمِينٌ " وَالتَّقْدِيرُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمِينٌ وَفِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ طَلَاقًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَعِبَارَةُ الْحَطَّابِ وَكَانَ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّارِعُ حُكْمَهُمَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ عُمِلَ بِهِمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَفَارَقَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ) فَقَضِيَّةُ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ تَفَارَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَعْقَبَهُ بِالْإِيلَاءِ) أَيْ لِلْإِيلَاءِ. (قَوْلُهُ: رَسْمُ الظِّهَارِ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لِلظِّهَارِ رَسْمًا صَرِيحًا بَلْ ضِمْنًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ إلَخْ) وَعَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ إتْيَانُ النِّسَاءِ مِنْ قِبَلِ ظُهُورِهِنَّ وَلَمْ تَكُنْ الْأَنْصَارُ تَفْعَلُ غَيْرَهُ اسْتِبْقَاءً لِلْحَيَاءِ وَطَلَبًا لِلسَّتْرِ وَكَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ الْوُجُوهِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَكَانُوا يَأْتُونَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْوَجْهِ فَتَزَوَّجَ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيَّةً وَرَاوَدَهَا عَلَى الْإِتْيَانِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا فَامْتَنَعَتْ لِخِلَافِ عَادَتِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي نُزُولِهَا (أَقُولُ) بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا وَسُمِّيَ هَذَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ ظِهَارًا لِأَنَّ الْوَطْءَ رُكُوبٌ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ فَتَصِيرُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لِلْحَطَّابِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تت وَنَصُّ تت وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَ أَحَدُهُمْ امْرَأَةً وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ فَتَصِيرُ لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً تَنْكِحُ غَيْرَهُ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْتَ تَرَى مَا فِي عِبَارَةِ تت مِنْ التَّنَافِي وَقَدْ تَبِعَهُ شَارِحُنَا (قَوْلُهُ: وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) هَذَا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ الدُّخُولَ فَقَوْلُهُ: فِيهِ وَكَانَ طَلَاقًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَيْ مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ الْأُولَى فَلَا يُنَافِي فِي أَنَّهُ تَغَيَّرَ الْحَالُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَبْلَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: حَتَّى ظَاهَرَ) أَيْ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إلَى أَنْ ظَاهَرَ إلَخْ